للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ تَخْرُجُ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ يُرَخَّصُ لَهَا لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذِي وَتَلْحَقُهُ الْوَحْشَةُ، وَلِهَذَا كَانَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى أَقَلِّ مِنْ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا حُرْمَةُ السَّفَرِ، وَتِلْكَ تَرْتَفِعُ بِالْمَحْرَمِ، وَلَهُ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِدَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَمْنَعُ مُطْلَقَ الْخُرُوجِ، وَإِنْ قَلَّ بِخِلَافِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ حَيْثُ لَا يُمْنَعُ إلَّا السَّفَرُ فَإِذَا كَانَ عَدَمُ الْمَحْرَمِ يَمْنَعُ السَّفَرَ فَالْعِدَّةُ أَوْلَى أَنْ تَمْنَعَ لِأَنَّهَا أَقْوَى فِي الْمَنْعِ، وَمَا دُونَ السَّفَرِ إنَّمَا يُرَخَّصُ لَهَا مَعَ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِإِنْشَاءِ خُرُوجٍ بَلْ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ، وَإِنْشَاءُ الْخُرُوجِ فِي الْعِدَّةِ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَهُنَا هِيَ مُنْشِئَةٌ لِلْخُرُوجِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَفَرٌ فَيَتَنَاوَلُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْمَحْرَمِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخُرُوجِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ لَا تَرْتَفِعُ بِهِ، وَفِي الْمَفَازَةِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَقَدْ انْعَدَمَ هُنَا فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ، وَاخْتَارَتْ أَحَدَهُمَا فَمَرَّتْ بِمِصْرٍ لَا تَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا تَخْرُجُ بِمَحْرَمٍ، وَأَهْلُ الْكَلَأِ إذَا انْتَقَلُوا انْتَقَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ مَعَهُمْ إنْ كَانَتْ تَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ فِي هَذَا كَالْبَائِنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُفَارِقَ زَوْجَهَا فِي مَسِيرَةٍ هِيَ سَفَرٌ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا، وَالْمُبَانَةَ تَرْجِعُ أَوْ تَمْضِي مَعَ مَنْ شَاءَتْ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ أَجْنَبِيًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ).

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ إنْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ نَكَحَهَا لَزِمَهُ نَسَبُهُ وَمَهْرُهَا) أَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ، وَهُوَ مُتَصَوِّرٌ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَقَدْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَكَانَ الْعُلُوقُ قَبْلَهُ فِي حَالِ النِّكَاحِ، فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ مُتَصَوَّرًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ، وَهُوَ مُضِيُّ الزَّمَانِ لَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي هَذَا الْعَقْدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَقِيبَهُ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْهُ كَمَا لَا يَثْبُتُ مِنْ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْمَاءِ حَقِيقَةً قُلْنَا هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْأَخِيرُ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ، وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَظْهَرُ انْتَهَى فَتْحٌ وَكَافِي

[بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ]

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وُجُوهِ الْعِدَّةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَيْضِ وَالْأَشْهُرِ وَوَضْعِ الْحَمْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْ آثَارِ الْحَمْلِ فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْبَابَ عَقِيبَ بَابِ الْعِدَّةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ نَسَبُهُ وَمَهْرُهَا) أَيْ كَامِلًا انْتَهَى (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهَا فِرَاشُهُ) أَيْ وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ انْتَهَى (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَخْ) مَعْنَاهُ إذَا وَلَدَتْهُ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَلَا نُقْصَانٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِأَقَلَّ فَالْعُلُوقُ سَابِقٌ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ عُلُوقٍ حَدَثَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِأَنَّا حَكَمْنَا حِينَ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ. اهـ. شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ، وَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ اهـ

(قَوْلُهُ وَقُلْنَا هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَصَوُّرُ الْعُلُوقِ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ ثَابِتٌ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَهُوَ يُخَالِطُهَا وَطِئَهَا، وَسَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُمَا فَوَافَقَ الْإِنْزَالُ النِّكَاحَ، وَالْأَحْسَنُ تَجْوِيزُ أَنَّهُمَا وَكَّلَاهُ فَبَاشَرَ الْوَكِيلُ، وَهُمَا كَذَلِكَ فَوَافَقَ عَقْدُهُ الْإِنْزَالَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثُّبُوتَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَهُوَ يَثْبُتُ مُقَارِنًا لِلنِّكَاحِ الْمُقَارِنِ لِلْعُلُوقِ فَتَعْلَقُ، وَهِيَ فِرَاشٌ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَقَدْ يُقَالُ الْفِرَاشِيَّةُ أَثَرُ النِّكَاحِ أَعْنِي الْعَقْدَ فَيَتَعَقَّبُهُ فَيَلْزَمُ سَبْقُ الْعُلُوقِ عَلَى الْفِرَاشِ نَعَمْ إذَا فُسِّرَ الْفِرَاشُ بِالْعَقْدِ كَمَا عَنْ الْكَرْخِيِّ، وَهُوَ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُمْ السَّابِقَ لَهُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ بِكَوْنِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ فَإِنَّ هَذَا الْكَوْنَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا قُلْنَا إنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ فِي الْخَارِجِ، وَكَلَامُهُمْ لَيْسَ عَلَيْهِ

وَتَقْرِيرُ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ تَمَامِ النِّكَاحِ مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ حَاصِلًا قَبْلَ زَوَالِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ يَعْنِي أَنَّ زَوَالَ الْفِرَاشِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مَعَهُ لِأَنَّ زَوَالَ أَثَرِهِ لَا يُقَالُ مُقْتَضَاهُ أَنْ تَكُونَ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقَدْ عَيَّنُوا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ أَنْ لَا يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ، وَلَا أَقَلَّ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَمْ يُثْبِتُوهُ فِي الْأَقَلِّ لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ مُزَوَّجٌ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَأَمَّا فِي الزِّيَادَةِ فَلِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى مَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِمَا يَسَعُ وَطْئًا بِالْفَرْضِ فَيَحِلُّ مُسْتَثْنَى هَذَا الْقَدْرِ، وَيَجِبُ تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَهُمْ النَّسَبَ فِيمَا إذَا جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَهُوَ سَنَتَانِ، وَلَا مُوجِبَ لِلصَّرْفِ عَنْهُ يُنَافِي فِي الِاحْتِيَاطِ فِي إثْبَاتِهِ

وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ حَدَثَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَيَوْمٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ كَوْنُ الْحَمْلِ مِنْهَا وَرُبَّمَا تَمْضِي دُهُورٌ لَمْ يُسْمَعْ فِيهَا وِلَادَةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ حُدُوثِهِ، وَحُدُوثُهُ احْتِمَالٌ فَأَيُّ احْتِيَاطٍ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إذَا نَفَيْنَاهُ لِاحْتِمَالٍ ضَعِيفٍ يَقْتَضِي نَفْيَهُ، وَتَرَكْنَا ظَاهِرًا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيَّ الِاحْتِمَالَيْنِ أَبْعَدُ الِاحْتِمَالُ الَّذِي فَرَضُوهُ لِتَصَوُّرِ الْعُلُوقِ مِنْهُ لِيُثْبِتُوا النَّسَبَ، وَهُوَ كَوْنُهُ تَزَوَّجَهَا، وَهُوَ يَطَؤُهَا، وَسَمِعَ النَّاسُ كَلَامَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>