فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ نَقْصَ الْكُفْرِ فَوْقَ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ فَوَجَبَ أَنْ تُنْتَقَصَ دِيَتُهُ بِهِ كَمَا تُنْتَقَصُ بِالْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ، فَإِذَا انْتَقَصَ بِأَثَرِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُنْتَقَصَ بِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نُقْصَانُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَا بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ، بَلْ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ بِالنِّكَاحِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالْحُرُّ الذَّكَرُ يَمْلِكُهُمَا فَلِهَذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا وَالْكَافِرُ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُهُ كَبَدَلِهِ وَالْمُسْتَأْمِنُ دِيَتُهُ مِثْلُ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا
(فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَالْحَشَفَةِ وَالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللِّحْيَةِ إنْ لَمْ تَنْبُتْ وَشَعْرِ الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُهَا وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ عُشْرُهَا وَمَا فِيهَا مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» وَمِثْلُهُ ذُكِرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْبَعْضِ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْبَاقِي دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَالْأَصْلُ فِي الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ إذَا فَوَّتَ جِنْسَ مَنْفَعَةٍ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ أَزَالَ جَمَالًا مَقْصُودًا فِي الْآدَمِيِّ عَلَى الْكَمَالِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ إذْ النَّفْسُ لَا تَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَإِتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْآدَمِيِّ تَعْظِيمًا لَهُ دَلِيلُهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْأَعْضَاءُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ فَمِنْهَا مَا هُوَ أَفْرَادٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُزْدَوَجٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَرْبَاعٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ أَعْشَارٌ وَمِنْهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ تَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمُزْدَوَجِ وَالْأَرْبَاعِ وَالْأَعْشَارِ كَذَلِكَ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ فِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَقْصُودٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قُطِعَ الْمَارِنُ وَهُوَ مَا دُونَ قَصَبَةِ الْأَنْفِ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ أَوْ قَطَعَ الْأَرْنَبَةَ وَهُوَ طَرَفُ الْأَنْفِ أَوْ قَطَعَ الْمَارِنَ مَعَ الْقَصَبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إزَالَةِ الْجَمَالِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ عُضْوٌ وَاحِدٌ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْأَنْفِ أَنْ تَجْتَمِعَ الرَّوَائِحُ فِي قَصَبَةِ الْأَنْفِ لِتَعْلُوَ إلَى الدِّمَاغِ وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَطْعِ الْمَارِنِ، وَكَذَا إذَا قُطِعَ اللِّسَانُ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ وَهُوَ النُّطْقُ فَإِنَّ الْآدَمِيَّ يَمْتَازُ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَبِهِ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ مَصَالِحِهِ إلَّا بِإِفْهَامِ غَيْرِهِ أَغْرَاضَهُ وَذَلِكَ يَفُوتُ بِقَطْعِهِ، وَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِ بَعْضِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ لَا لِتَفْوِيتِ صُورَةِ الْآلَةِ، وَقَدْ حَصَلَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ دُونَ الْبَعْضِ تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ وَهِيَ التَّاءُ وَالثَّاءُ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ وَالذَّالُ وَالرَّاءُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالْيَاءُ فَمَا أَصَابَ الْفَائِتَ يَلْزَمُهُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ فِيهِ وَهِيَ الْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْغَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَلَا الشَّفَوِيَّةِ وَهِيَ الْبَاءُ وَالْمِيمُ وَالْوَاوُ، وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرِهَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَالِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ تَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَسَّمَ الدِّيَةَ عَلَى الْحُرُوفِ فَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُرُوفِ أُسْقِطَ بِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ وَمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَلْزَمَهُ بِحِسَابِهِ مِنْهَا، وَكَذَا الذَّكَرُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ جَمَّةٍ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِيلَادِ وَاسْتِمْسَاكِ الْبَوْلِ وَالرَّمْيِ بِهِ وَدَفْقِ الْمَاءِ وَالْإِيلَاجِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْأَعْلَاقِ عَادَةً، وَكَذَا فِي الْحَشَفَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي مَنْفَعَةِ الْإِيلَاجِ وَالدَّفْقُ وَالْقَصَبَةُ كَالتَّابِعِ لَهُ، وَكَذَا فِي الْعَقْلِ الدِّيَةُ إذَا ذَهَبَ بِالضَّرْبِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِهِ يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبِهِ يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِالنِّكَاحِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ إسْقَاطُ الْبَاءِ
[فَصْلٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ وَاللِّسَانِ]
(فَصْلٌ). (قَوْلُهُ: وَالْيَدَيْنِ) مِنْ قَوْلِهِ وَالْيَدَيْنِ إلَى قَوْلِهِ وَالرِّجْلَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَعْضَاءُ الَّتِي يَجِبُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا دِيَةٌ هِيَ ثَلَاثَةُ أَعْضَاءٍ اللِّسَانُ وَالْأَنْفُ وَالذَّكَرُ فَإِذَا اُسْتُوْعِبَ الْأَنْفُ جَدْعًا أَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مِنْهُ وَحْدَهُ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ عَنْ الْعَظْمِ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَكَذَا إذَا اُسْتُوْعِبَ اللِّسَانُ أَوْ قُطِعَ مِنْهُ مَا يَذْهَبُ بِالْكَلَامِ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ إذَا اُسْتُوْعِبَ أَوْ قُطِعَتْ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا فَفِيهِ الدِّيَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute