للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَشِبْهَ عَمْدٍ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ وَالصَّوْمُ عَلَى التَّرْتِيبِ مُتَتَابِعًا كَمَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] وَشِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأً فِي الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي حَقِّ الضَّرْبِ فَتَتَنَاوَلُهُمَا الْآيَةُ وَلَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ لِعَدَمِ النَّقْلِ بِالِاخْتِلَافِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ حَيْثُ تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةً لِوُجُودِ التَّوْقِيفِ فِي التَّغْلِيظِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ دُونَ الْخَطَأِ وَالْمَقَادِيرُ لَا تَجِبُ إلَّا سَمَاعًا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَجُوزُ الْإِطْعَامُ وَالْجَنِينُ)؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْمَذْكُورَ كُلُّ الْوَاجِبِ لِلْفَاءِ فِي الْجَوَابِ أَوْ لِكَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ وَالْجَنِينُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ فَلَمْ يَجُزْ؛ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجُوزُ الرَّضِيعُ لَوْ أَحَدَ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا)؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهُ وَالظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَطْرَافِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجِبِلَّةُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اكْتَفَى هُنَا بِالظَّاهِرِ فِي سَلَامَةِ أَطْرَافِهِ حَتَّى جَازَ التَّكْفِيرُ بِهِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ أَطْرَافِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَاجَةُ فِي التَّكْفِيرِ إلَى دَفْعِ الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْحَاجَةُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى إلْزَامِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُظْهِرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدُ فِي التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ فَافْتَرَقَا

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الثُّلُثُ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يَتَنَصَّفُ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ السُّنَّةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ، وَلَوْ كَانَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا خَالَفُوهُ، وَقَوْلُهُ سُنَّةً مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةُ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْهُ مَوْقُوفًا؛ وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى الْمُحَالِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ أَلَمُهَا أَشَدَّ وَمُصَابُهَا أَكْثَرَ أَنْ يَقِلَّ أَرْشُهَا بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ أُصْبُعٌ مِنْهَا يَجِبُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَوْ قُطِعَ أُصْبُعَانِ يَجِبُ عِشْرُونَ، وَإِذَا قُطِعَ ثَلَاثٌ يَجِبُ ثَلَاثُونَ؛ لِأَنَّهَا تُسَاوِي الرِّجْلَ فِيهِ عَلَى زَعْمِهِ لِكَوْنِهِ مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَلَوْ قُطِعَ أَرْبَعَةٌ يَجِبُ عِشْرُونَ لِلتَّنْصِيفِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَقَطْعُ الرَّابِعَةِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا، بَلْ يَسْقُطُ مَا وَجَبَ بِقَطْعِ الثَّالِثَةِ وَحِكْمَةُ الشَّارِعِ تُنَافِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ شَيْئًا شَرْعًا وَأَقْبَحُ مِنْهُ أَنْ تُسْقِطَ مَا وَجَبَ بِغَيْرِهَا هَذَا مِمَّا يُحِيلُهُ الْعُقَلَاءُ بِالْبَدِيهَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُ الْأَطْرَافَ بِالْأَنْفُسِ وَتَرَكَهُ هُنَا حَيْثُ نَصَّفَ دِيَةَ النَّفْسِ وَلَمْ يُنَصِّفْ دِيَةَ الْأَطْرَافِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدِيَةُ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ)، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَقْلُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» وَالْكُلُّ عِنْدَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَدَى الْعَامِرِيِّينَ اللَّذَيْنِ كَانَ لَهُمَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ»، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا يَجْعَلَانِ دِيَةَ الذِّمِّيِّ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] دَلَالَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ظَاهِرًا مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢]؛ وَلِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُتَقَوِّمُونَ لِإِحْرَازِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالدَّارِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا مُلْحَقِينَ بِالْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ بِقَتْلِهِمْ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِمْ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْوَالَهُمْ لَمَّا كَانَتْ مَعْصُومَةً مُتَقَوِّمَةً يَجِبُ بِإِتْلَافِهَا مَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي أَمْوَالِهِمْ فَمَا ظَنُّك

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِلْفَاءِ فِي الْجَوَابِ)؛ لِأَنَّ بِدُخُولِ الْفَاءِ يُعْلَمُ أَنَّهُ جَزَاءُ الشَّرْطِ قَبْلَهُ وَجَزَاءُ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ جَزَاءً إلَّا إذَا كَانَ كَامِلًا فِي كَوْنِهِ جَزَاءً أَلَا تَرَى أَنَّا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُجْعَلُ قَوْلُهُ: فَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءً كَامِلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ وَزَيْنَبُ طَالِقٌ أَيْضًا أَوْ وَعَبْدِي حُرٌّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالرَّضِيعُ فِي الْعَادَةِ هُوَ الَّذِي لَمْ تَتَبَيَّنْ سَلَامَةُ أَعْضَائِهِ حَتَّى جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَقَّدِ فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي مَوْلُودٍ يُولَدُ فَقَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَهُ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّكَرُ قَدْ تَحَرَّكَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَطَعَ لِسَانَهُ، وَقَدْ اسْتَهَلَّ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَكَذَلِكَ بَصَرُهُ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْصَرَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ سَلِيمِ الْأَطْرَافِ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّ سَلَامَةَ الْأَطْرَافِ لَمْ تَثْبُتْ بِالدَّلِيلِ وَالْقَطْعُ يَحْسِمُ بَابَ حُدُوثِ السَّلَامَةِ فَصَارَ النُّقْصَانُ لَازِمًا فَوَجَبَ حُكُومَةُ الْعَدْلِ، وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلَا يَحْسِمُ بَابَ السَّلَامَةِ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَ، ثُمَّ عَاشَ حَتَّى ظَهَرَتْ سَلَامَةُ أَعْضَائِهِ وَأَطْرَافِهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ لَمْ تَتَأَدَّ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: الْعَامِرِيِّينَ) كَذَا بِخَطِّهِ فَلْيُرَاجَعْ الْحَدِيثُ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ) صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ لَهُ أَحَادِيثُ رَوَى عَنْهُ أَوْلَادُهُ جَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالْفَضْلُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ أَسْلَمَ حِينَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أُحُدٍ وَكَانَ شُجَاعًا وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى النَّجَاشِيِّ فِي زَوَاجِ أُمِّ حَبِيبَةَ وَإِلَى مَكَّةَ فَحَمَلَ خُبَيْبًا مِنْ خَشَبَتِهِ وَكَانَ مِنْ رِجَالِ الْعَرَبِ نَجْدَةً وَعَاشَ إلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ. اهـ. إصَابَةً لِابْنِ حَجَرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>