للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ مَشِيئَةُ الْقُدْرَةِ لَا مَشِيئَةُ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ إنْ شَاءَ فَكَذَا هِيَ لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ أَوْ نَقُولُ فِي حَقِّهَا لَا يُكْرَهُ لِلزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ إلَّا جُمْلَةً فَيُبَاحُ لَهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّفْرِيقِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي طَلِّقِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثَةٍ مَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ الثَّلَاثَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَهَا أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا إنْ شَاءَتْ؛ لِأَنَّ مَا مُحْكَمَةٌ فِي التَّعْمِيمِ وَمِنْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّبْيِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠] فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْت وَلَهُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ حَقِيقَةً وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَيَعْمَلُ بِهِمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَنْبَنِي عَلَى الْمُسَامَحَةِ أَوْ عَلَى إظْهَارِ السَّمَاحَةِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّبْعِيضِ وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ أُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ وَصْفٌ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّبْعِيضِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا امْرَأَةً كُوفِيَّةً حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ التَّعْلِيقِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ لِمَنْكُوحَتِهِ إنْ زُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمِلْكِ (كَإِنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بَعْدَهُ) أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الزِّيَارَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالنِّكَاحُ فِي الثَّانِي وَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ إنْ نَكَحْتُك بَعْدَ أَنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِمِلْكٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِلْعَقْدِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْتُك بِالنِّكَاحِ وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا أَيْ إنْ مَلَكْته بِالشِّرَاءِ وَإِلَّا لَمَا انْعَقَدَ تَعْلِيقًا ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ مَالِكًا وَتَعَلُّقُهُ بِأَيِّ شَرْطٍ كَانَ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مَالِكًا وَلَكِنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَذْهَبُنَا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَمْرٍو وَرِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ مَالِكٌ إنْ عَمَّمَ بِأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ وَنَحْوَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ خَصَّصَ بَلَدًا أَوْ قَبِيلَةً بِأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ مِصْرَ أَوْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ كُلُّ بِكْرٍ أَوْ ثَيِّبٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ صَحَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الَّتِي فَوَّضَ إلَيْهَا الْوَاحِدَةَ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ فَكَذَا الَّتِي فَوَّضَ إلَيْهَا الثِّنْتَيْنِ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَا يَقَعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت) أَيْ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ وَعَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهَا مَبْنِيًّا عَلَى التَّوَسُّعِ؛ لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ إظْهَارُ السَّخَاءِ وَالْكَرَمِ وَذَلِكَ بِالْعُمُومِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ اللُّزُومُ فَلَمْ يَعْدِلْ فِيهِ عَنْ حَقِيقَةِ كُلِّ لَفْظٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمَا لِلتَّعْمِيمِ) أَيْ حَقِيقَةً اهـ. (قَوْلُهُ فَيَعْمَلُ بِهِمَا) أَيْ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلُ الْمَجَازِ وَالثِّنْتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدَةِ عَامٌّ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّلَاثِ بَعْضٌ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعُمُومِ أَصْلًا وَهِيَ بَعْضٌ صِرْفٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا مَلَكَتْ الثِّنْتَيْنِ بِحُكْمِ الْأَمْرِ مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ أَيْضًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَا بِهَا طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْتَ اهـ

[بَابُ التَّعْلِيقِ]

(بَابُ التَّعْلِيقِ) بَوَّبَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِبَابِ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ بِالتَّنْجِيزِ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ شَرَعَ فِي ذِكْرِهِ بِسَبِيلِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ هُوَ الْأَصْلُ لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَالتَّعْلِيقُ لَا يَكُونُ سَبَبًا مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِمَنْزِلَةِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الشَّرْطِ لَا تُفِيدُ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا جُمْلَةُ الْجَزَاءِ، وَالْأَصْلُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ تَكُونَ مُفِيدَةً بِنَفْسِهَا بِحَيْثُ يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهَا وَالتَّنْجِيزُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا التَّعْلِيقُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَلِفَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ يَمِينٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ جَمِيعًا أَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَيَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا تُسَمِّيهِ أَهْلُ اللُّغَةِ يَمِينًا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ) قَالَ الرَّازِيّ التَّعْلِيقُ إذَا كَانَ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالنِّكَاحُ أَوْ مِلْكُهُ فِي الثَّانِي اهـ فَقَدْ جَعَلَهُ كَمَا تَرَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَ التَّعْلِيقَ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا لَهُ وَمَثَّلَ لِلْمُضَافِ لِلْمِلْكِ بِإِنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَفَادَ الشَّارِحُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُضَافًا لِلْمِلْكِ بَلْ لِسَبَبِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ فَحِينَئِذٍ لَمْ يُمَثِّلْ بِمَا هُوَ مُضَافٌ لِلْمِلْكِ وَيَصِحُّ أَنْ يُمَثِّلَ لَهُ بِمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت فِي عِصْمَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ.

(قَوْلُهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ) هَذَا إذَا ذَكَرَ الرَّابِطَ وَهِيَ الْفَاءُ أَمَّا لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ بِأَنْ قَالَ إنْ زُرْت أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَسَيَجِيءُ هَذَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ أَوْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَالتَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ كَقَوْلِهِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالتَّعْلِيقُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ اهـ مَعَ حَذْفٍ.

(قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْجَهَالَةُ فَإِذَا خُصَّ ارْتَفَعَتْ فَيَصِحُّ. اهـ. كَافِي

<<  <  ج: ص:  >  >>