؛ لِأَنَّ فِي التَّعْمِيمِ سَدَّ بَابَ النِّكَاحِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَيْثُ يَصِحُّ وَيَصِيرُ مُظَاهِرًا إذَا تَزَوَّجَ مَعَ الْعُمُومِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَرْتَفِعُ بِكَفَّارَةٍ فَلَا سَدَّ فِيهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا طَلَاقَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا بَيْعَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩] شَرَعَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا طَلَاقَ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِالْمِلْكِ كَمَا لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطٌ لِلطَّلَاقِ كَالْأَهْلِيَّةِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ التَّعْلِيقُ مِنْ غَيْرِ الْأَهْلِ بِالْأَهْلِيَّةِ كَالصَّبِيِّ يَقُولُ إذَا بَلَغْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَكَذَا فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ فَصَارَ كَبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ مَلَكَهُ، وَلِأَنَّهُ يُضَادُّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ فَلَا يُشْرَعُ أَصْلًا وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى وُجُودِ مِلْكِ الْمَحَلِّ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا لِأَنَّ الْيَمِينَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْحَالِفِ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبِرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمَحْلُوفُ بِهِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ وَمَا لَمْ يَصِلْ فَهُوَ يَمِينٌ وَاشْتِرَاطُ قِيَامِ الْمِلْكِ لِأَجْلِ الطَّلَاقِ لَا لِأَجْلِ الْحَلِفِ لَكِنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ سَيَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِوُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَاجِبٌ، وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ التَّعْلِيقُ وَلَوْ كَانَ إيقَاعًا يُكْرَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لِلْحَالِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمَحَلُّ كَمَنْ قَالَ إنْ مَلَكْت عَبْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ فَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَحَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ لِيَكُونَ مُحَقَّقًا عِنْدَ وُقُوعِ الْجَزَاءِ وَهُنَا الْمِلْكُ لَازِمٌ عِنْدَهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ الرَّمْيُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلٍ لَا يَكُونُ مَانِعًا مَا هُوَ قَتْلٌ وَلَا مُؤَخِّرًا لَهُ بَلْ يَكُونُ مَانِعًا مَا سَيَصِيرُ قَتْلًا إذَا وَصَلَ إلَى الْمَحَلِّ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَصِحَّ قَالَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُجْتَنَبَةٍ بِمَرَّةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَخْبَارُهُمْ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهَا وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْجِيزِ وَالتَّأْوِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ السَّلَفِ كَمَكْحُولٍ وَسَالِمٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْبَيْعُ كَالطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَيَكُونُ لَغْوًا قَبْلَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ هُنَا وَالْأَهْلِيَّةُ شَرْطٌ لِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ وَالْيَمِينُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ مِنْ صَبِيٍّ. وَقَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ يَبْطُلُ بِمَا إذَا قَالَ لِجَارِيَتِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَيْثُ تَعْتِقُ إذَا وَلَدَتْ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ فِي الْوَلَدِ الْمَعْدُومِ وَقْتَ الْيَمِينِ. وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ وَأَثَّرَ التَّعْلِيقُ فِي إعْدَامِهِ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ عِنْدَنَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا قَبْلَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ لَهُ وَعِنْدَهُ يَنْعَقِدُ سَبَبًا وَأَثَّرَ التَّعْلِيقُ فِي تَأْخِيرِ الْحُكْمِ فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْحَالِ فَيُشْتَرَطُ لَهُ الْمِلْكُ وَقَدْ عُرِفَ الدَّلِيلُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُقَالُ لَوْ جُنَّ بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَجْنُونٌ تَطْلُقُ، وَلَوْ كَانَ إيقَاعًا عِنْدَهُ لَمَا طَلُقَتْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ إيقَاعٌ حُكْمًا وَالْمَجْنُونُ أَهْلٌ لِذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُجْعَلُ طَلَاقًا وَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَعَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَبَيَا، وَكَذَا إذَا مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَهْلًا لَهُ حُكْمًا وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ فِي التَّعْمِيمِ سَدَّ بَابِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُهُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ دُونَ التَّكْرَارِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ فَيَقَعُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الشَّرْطِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمِلْكُ وَاجِبٌ) أَيْ ثَابِتٌ اهـ. (قَوْلُهُ، وَلِهَذَا لَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ التَّعْلِيقُ) أَيْ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَائِضِ إذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ هَذَا إطْلَاقًا لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَهُ فِي الْحَالِ. اهـ. كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّرْطِ لَا يَحْنَثُ) ذَكَرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بَعْدَ مَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَحْنَثُ فَرَاجِعْهُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ يَحْنَثُ) هَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِغَيْرِ الْمَشِيئَةِ، أَمَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَجِيءُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (قَوْلُهُ وَالشَّعْبِيُّ) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ. (قَوْلُهُ وَالزُّهْرِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ اهـ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ اهـ فَإِنَّهُمْ قَالُوا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ طَلَاقًا فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ إنَّمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الشَّرْطِ فِي تَعْلِيقِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَةِ الرَّجُلِ إذَا عَلَّقَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي حَالِ جُنُونِهِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّنْجِيزِ قُلْت إنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ حُكْمًا لِكَلَامٍ صَدَرَ مِنْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَضِمْنِيَّاتُ الشَّيْءِ لَا تُعَلَّلُ، وَلِهَذَا إذَا مَلَكَ أَقَارِبَهُ يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ حُكْمًا لِصِحَّةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً، وَكَذَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْفُرْقَةُ طَلَاقٌ حُكْمًا لِصِحَّةِ تَفْرِيقِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ ابْتِدَاءً اهـ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute