للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لِلنِّكَاحِ لَا يَقَعُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ فِي نِكَاحِك لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُنَافِي النِّكَاحَ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ الشَّيْءُ مَنْفِيًّا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ بَدَلًا أَوْ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُقَارِنُ وَالشَّرْطَ يَتَقَدَّمُ فَلَغَا هَذَا الشَّرْطُ وَصَحَّ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْمُضَافِ حَيْثُ يَقَعُ مُقَارِنًا لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ لِلْحَالِ وَالْمُعَلَّقُ يَكُونُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ عَنْهُ ضَرُورَةً وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضِيفَ يُرِيدُ الْحُكْمَ وَالْمُعَلِّقَ يُرِيدُ انْتِفَاءَهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ مِنْ إيجَادِ الْحُكْمِ. وَقَوْلُهُ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ الْمُرَادُ التَّعْلِيقُ بِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَنَحْوَهُ كَانَ مُعَلَّقًا كَيْفَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعَيَّنَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَلَا يَصِحُّ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ وَلَا يُرَاعَى فِيهَا الصِّفَةُ وَهِيَ التَّزَوُّجُ فَبَقِيَ قَوْلُهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ. وَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَالِكًا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِي الْحَالِ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ اسْتِمْرَارُهُ خُصُوصًا فِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ عَقْدُ عُمُرٍ فَصَحَّ يَمِينًا عِنْدَنَا وَإِيقَاعًا عِنْدَهُ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ زُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَزَارَتْ لَمْ تَطْلُقْ)، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقْتُ وُجُودِ الشَّرْطِ لِكَوْنِهِ يَصِلُ إلَى الْمَحَلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْمِلْكُ مَوْجُودٌ عِنْدَهُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِيهِ وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا أَوْ لَازِمًا لِيَكُونَ مُخِيفًا فَتُوجَدُ ثَمَرَةُ الْيَمِينِ فِيهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ مَالِكًا أَوْ أَضَافَهُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِدُونِهِمَا وَلَا يُقَالُ يُضْمَرُ لَهُ الْمِلْكُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ تَزَوَّجْتُك وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الْيَمِينَ مَذْمُومٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} [القلم: ١٠] فَلَا يَحْتَاجُ لِتَصْحِيحِهِ فَيَتَحَقَّقُ عَدَمُ الْمَحْلُوفِ بِهِ فَبَطَلَ وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بَعْدَ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ كَالْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ، وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ عَقِيبَ سَبَبِهِ وَالْجَزَاءَ يَقَعُ عَقِيبَ شَرْطِهِ فَلَوْ صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِهِ لَكَانَ الطَّلَاقُ مُقَارِنًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَالطَّلَاقُ الْمُقَارِنُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ أَوْ لِزَوَالِهِ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا فَيَتَقَدَّمُ وَالطَّلَاقُ يَتَأَخَّرُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمَحْظُورِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ السَّبَبَ وَأَرَادَ بِهِ الْمُسَبَّبَ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك إنْ مَلَكْتُك. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ وَإِذَا وَإِذَا مَا وَكُلُّ وَكُلَّمَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُشْتَقٌّ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: ١٨] فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِهِ لِاقْتِرَانِهَا بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةُ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْأَفْعَالُ دُونَ الْأَسْمَاءِ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَوَابِهِ قُلْت الْمُعَلَّقُ إنَّمَا يَكُونُ كَالْمُنَجَّزِ إذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ وَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ. (قَوْلُهُ ظَاهِرًا أَوْ لَازِمًا) أَيْ غَالِبُ الْوُجُودِ أَوْ مُتَيَقَّنُ الْوُجُودِ اهـ. (قَوْلُهُ لِيَكُونَ مُخِيفًا) أَيْ بِوُقُوعِ الْجَزَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ يُضْمَرُ لَهُ الْمِلْكُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ لِمَ لَمْ يُدْرِجْ فِي كَلَامِهِ التَّزَوُّجَ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ بِأَنْ يُقَدِّرَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَدَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؟ قُلْتُ كَلَامُهُ صَحِيحٌ بِدُونِ تَقْدِيرِ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا أَفَادَ الْمُسْتَمِعَ وَقَدْ أَفَادَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الشَّارِعَ مَا أَثْبَتَ حُكْمَهُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْكَلَامِ وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِنْ إدْرَاجِهِ التَّكَلُّفُ فِي إثْبَاتِ الطَّلَاقِ وَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ التَّكَلُّفُ فِي إثْبَاتِ مَا كَانَ بَغِيضًا فَافْهَمْ اهـ مَعَ حَذْفٍ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ) أَيْ بِدُونِ الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ يَقَعُ عَقِيبَ شَرْطِهِ) أَيْ وَالشَّرْطُ هُنَا التَّزَوُّجُ اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إلَخْ) وَإِنَّمَا قَالَ أَلْفَاظُ الشَّرْطِ وَلَمْ يَقُلْ حُرُوفَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ إنْ هُوَ الْحَرْفُ وَحْدَهُ وَالْأَلْفَاظُ الْبَاقِيَةُ أَسْمَاءٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرٍ مُنْتَظَرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ يُقْصَدُ نَفْيُهُ وَإِثْبَاتُهُ كَقَوْلِك إنْ زُرْتَنِي أَكْرَمْتُك وَإِنْ لَمْ تَشْتُمْنِي أَحْبَبْتُك فَعَلِمْت مِنْ هَذَا أَنَّ كَلِمَةَ إنْ هِيَ الشَّرْطُ فِي بَابِ الشَّرْطِ لِدُخُولِهِ عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ خَطَرٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الِاسْمِ وَلَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ وَإِنَّمَا الْمُجَازَاةُ بِهَا بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهَا مَعْنَى إنْ وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ كُلٌّ فِي الْمُجَازَاةِ لِدُخُولِهِ عَلَى الِاسْمِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ الِاسْمَ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ يُوصَفُ بِفِعْلٍ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ كَقَوْلِك كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَلْحَقَ كُلَّ بِحَرْفِ الشَّرْطِ وَلِلْمُجَازَاةِ أَسْمَاءٌ تَقَعُ مَوْقِعَ إنْ وَهِيَ ظُرُوفٌ وَغَيْرُ ظُرُوفٍ فَالظُّرُوفُ مَتَى وَأَيْنَ وَأَنَّى وَأَيُّ وَحَيْثُ وَحَيْثُمَا وَإِذْ مَا وَلَا يُجَازَى بِحَيْثُ وَلَا بِإِذَا حَتَّى يَلْزَمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا وَغَيْرُ الظُّرُوفِ مَا وَمِنْ وَأَيُّ فَإِنْ قُلْت قَدْ اسْتَدْلَلْت عَلَى كَوْنِ إنْ أَصْلًا فِي بَابِ الشَّرْطِ بِدُخُولِهَا عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ خَطَرٌ وَقَدْ جَاءَ دُخُولُهَا عَلَى الِاسْمِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: ٦] وَقَوْلِهِ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: ١٧٦] فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَصْلًا قُلْت الْفِعْلُ فِيهِ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ الظَّاهِرُ فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>