للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَذِهِ الْأُمُورِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مَجَّانًا فَإِذَا سُلِّمَ لَهُ الْعِوَضُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَبَرِّعِ صَحَّ وَلَزِمَ لِتَمَامِ رِضَاهُ، وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَلَامَتُهُ تَكُونُ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِهِ سَفِيرًا فِيهِ يَلْزَمُهُ بِالضَّمَانِ لِوِلَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَتَمَّ رِضَاهُ بِهِ،

وَكَذَا بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفِي هَذِهِ أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى نَفْسِهِ الْتِزَامٌ مِنْهُ لِلتَّسْلِيمِ إلَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ فَيَصِحُّ لِتَمَامِ رِضَاهُ بِهِ وَالْمُعَرَّفُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ كَالْمُضَافِ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلتَّسْلِيمِ إلَيْهِ بِشَرْطِهِ فَيَتِمُّ بِهِ الصُّلْحُ، وَكَذَا بِتَسْلِيمِ الْعِوَضِ إلَيْهِ بِأَنْ عَقَدَ الْمُتَبَرِّعُ عَقْدَ الصُّلْحِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَضْمَنْ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ سَلَّمَ إلَيْهِ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَةً تَمَّ رِضَاهُ فَصَارَ فَوْقَ الضَّمَانِ وَالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ فَإِذَا حَصَلَ لَهُ الْعِوَضُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ تَمَّ رِضَاهُ بِهِ وَبَرِئَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُصَالِحِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ عَيْنٍ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ أَنَّهُ لِلْمُدَّعِي حَيْثُ يَمْلِكُ الْمُتَبَرِّعُ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِكِهِ فَيَمْلِكُهُ إذْ الشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا بَلْ يَنْفُذُ عَلَيْهِ

وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْعِوَضُ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا أَوْ سُتُّوقًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، لَمْ يَلْتَزِمْ الْإِيفَاءَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ إذْ لَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِ حَقِّهِ مَجَّانًا إلَّا فِي صُورَةِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالضَّمَانِ فَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ التَّسْلِيمِ يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصُّوَرِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَضْمَنْ وَلَمْ يُضِفْ الْعِوَضَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى أَلْفٍ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُدَّعِي عِوَضٌ فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مَجَّانًا لِعَدَمِ رِضَاهُ بِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْمَشْرُوطُ لِالْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ تَصَرُّفُهُ وَالْخُلْعُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالصُّلْحِ وَجَعَلَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ فِي بَابِ الْخُلْعِ الْأَلْفَ الْمُشَارَ إلَيْهَا وَالْعَبْدَ الْمُشَارَ إلَيْهِ مِثْلَ الْأَلْفِ الْمُنْكَرِ حَتَّى جَعَلَ الْقَبُولَ إلَى الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الصُّلْحُ عَمَّا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطٌ لِلْبَاقِي لَا مُعَاوَضَةٌ) هَكَذَا ذَكَرَ فِي نُسَخِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ عَمَّا اُسْتُحِقَّ، وَهَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ جَمِيعُ صُوَرِهِ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطًا لِلْبَاقِي، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَنْ الدَّيْنِ بِجِنْسٍ آخَرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ الصُّلْحُ عَلَى مَا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ إلَخْ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَصْلًا جَيِّدًا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ نَقْضٌ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ بَاقِيهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْإِحْسَانَ مَتَى وُجِدَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَكُونُ تَبَرُّعًا، وَإِنْ وُجِدَ مِنْ الْجَانِيَيْنِ يَكُونُ مُعَاوَضَةً، وَإِنَّمَا لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ إذَا وَقَعَ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَيْهَا فَسَادَ الْعَقْدِ لِلرِّبَا وَفِي حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ حَقِّهِ وَأَسْقَطَ الْبَاقِي جَوَازُهُ فَكَانَ أَوْلَى حَمْلًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَظَاهِرُ حَالِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الصِّحَّةَ دُونَ الْفَسَادِ إذْ عَقْلُهُ وَدِينُهُ يَمْنَعَانِهِ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورِ دِينِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ عَلَى نِصْفِهِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لِنِصْفِ حَقِّهِ وَمُسْقِطًا لِلنِّصْفِ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَجَّلَ نَفْسَ الْحَقِّ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لَفَسَدَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ كَأَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ النِّصْفِ وَأَخَّرَ النِّصْفَ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ فَيُجْعَلُ مُسْقِطًا لِلْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَمُسْتَوْفِيًا لِبَعْضِ حَقِّهِ أَوْ مُؤَخِّرًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُصَالِحِ شَيْءٌ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعَى أَيْ لَا يَصِيرُ الدَّيْنُ الْمُدَّعَى بِهِ مِلْكًا لِلْمُصَالِحِ. اهـ.

[بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ]

(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ) قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الصُّلْحِ عَلَى الْعُمُومِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمَهُ عَنْ دَعْوَى خَاصٍّ وَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ إذْ الْخُصُوصُ بَعْدَ الْعُمُومِ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا ذَكَرَ الصُّلْحَ مُطْلَقًا فِي عُمُومِ الدَّعَاوَى ذَكَرَ هُنَا الصُّلْحَ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ مُقَيَّدٌ وَالْمُقَيَّدُ بَعْدَ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ وَصْفٌ زَائِدٌ فِي الذَّاتِ اهـ فَتَأَمَّلْ فِي أُولَى الْعِبَارَتَيْنِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ) يَعْنِي لَوْ صَالَحَ الطَّالِبُ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ عَلَى الْمَطْلُوبِ عَلَى أَلْفُ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ جَازَ، وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا إنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ فَلَوْ حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ يَلْزَمُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسَاءً، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْحَالَّةَ وَالدَّرَاهِمَ الْمُؤَجَّلَةَ ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْخِيرِ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَوْنُهُ تَصَرُّفًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>