للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا لَمْ يَضْمَنْهُ بَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ) هَذَا إذَا صَالَحَ عَنْهُ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ عَنْ إقْرَارٍ فِي دَمِ عَمْدٍ أَوْ فِيمَا لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَالصُّلْحِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مُعَاوَضَةٌ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ الْقَوَدِ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فَإِسْقَاطٌ مَحْضٌ فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ؛ وَلِهَذَا جَازَ هَذَا الصُّلْحُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ شَيْءٌ إلَّا بِالِالْتِزَامِ كَالْوَكِيلِ فِي النِّكَاحِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ضَمِنَ هُنَا وَأَدَّى عَنْهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَفِي النِّكَاحِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالصُّلْحِ عَنْهُ أَمْرٌ بِالْأَدَاءِ عَنْهُ لِيُفِيدَ الْأَمْرُ فَائِدَتَهُ إذْ الصُّلْحُ عَنْهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ فَائِدَةُ أَمْرِهِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ إذَا ضَمِنَ عَنْهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَكَانَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ فِيهِ الْجَوَازُ، ثُمَّ إنْ ضَمِنَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَدَّى يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَالْأَمْرُ بِالْخُلْعِ مِثْلُ الْأَمْرِ بِالصُّلْحِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَى الْآمِرِ إنْ ضَمِنَ وَأَدَّى عَنْهُ وَأَمَّا إذَا صَالِحَ عَنْهُ فِيمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بِأَنْ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَيُطَالِبُ هُوَ بِالْعِوَضِ دُونَ الْمُوَكِّلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ بِلَا أَمْرٍ صَحَّ إنْ ضَمِنَ الْمَالَ أَوْ أَضَافَ إلَى مَالِهِ أَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ وَسَلَّمَ وَإِلَّا يُوقَفُ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَإِلَّا بَطَلَ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ ضَمِنَ الْمَالَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَضَافَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ إلَى نَفْسِهِ أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يُضِفْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ سَلَّمَ الْعِوَضَ أَوْ لَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُدَّعِي، أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا إذَا صَالَحَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَضَمِنَ الْمَالَ فَالصُّلْحُ فِيهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْبَرَاءَةَ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَوِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْأَجْنَبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا لَا يُسَلَّمُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ جَازَ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الصُّلْحِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَذَا لِلْأَجْنَبِيِّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الصُّلْحِ رِضَا صَاحِبِ الْحَقِّ لَا رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَدَعْوَى الْقِصَاصِ وَأَخَوَاتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا وَالْمُدَّعِي يَنْفَرِدُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ) فَأَمَّا إذَا ضَمِنَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ ادَّعَى فِي دَارِ رَجُلٍ دَعْوَى فَصَالَحَهُ عَنْهُ آخَرُ فَإِذَا أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الَّذِي فِي يَدَيْهِ الدَّارُ سَوَاءً كَانَ عَنْ إقْرَارٍ، أَوْ عَنْ إنْكَارٍ إنْ كَانَ بِأَمْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَصَالِحِ، وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ سَالِمٌ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ حَيْثُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ صَالَحَ فُلَانًا وَلَا عُهْدَةَ عَلَى الرَّسُولِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ صَالَحْتُك وَلَمْ يَذْكُرْ فُلَانًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَى فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَبَيْنَ فُلَانٍ فَصَارَ هَذَا وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ سَوَاءً، وَإِنْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحَنِي فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ أَصْلًا فِي الْعَقْدِ فَيُؤْخَذُ بِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْآمِرِ لِوُقُوعِ حُكْمِ الْعَقْدِ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ وَلَكِنْ ضَمِنَ أَوْ أَضَافَ إلَى مَالِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي، أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَ الْمَالَ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ أَصْلًا وَأَنَّهُ يَصْلُحُ أَصْلًا فِي هَذَا الْعَقْدِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْخُلْعِ وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ الْجَوَابُ هَكَذَا إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الْكَافِي اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ) وَلَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالسَّفِيرِ كَمَا فِي الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِلَا أَمْرٍ صَحَّ) أَيْ إنْ صَالَحَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا أَمْرِهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَدَعْوَى الْقِصَاصِ صَحَّ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَضَافَ) أَيْ الْمُصَالِحُ الشَّيْءَ. اهـ. (قَوْلُهُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا إلَى الْمُدَّعِي وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَصَارَ كَالْكَفَالَةِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَدْيُونِ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ فَالصُّلْحُ فِيهِ جَائِزٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الصُّلْحِ يَجِبُ بِالضَّمَانِ وَيَلْزَمُ بِضَمَانِهِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ يَصِحُّ وَالسَّاقِطُ يَتَلَاشَى فَيَسْتَوِي فِيهِ الْفُضُولِيُّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَصْلُحُ الْأَجْنَبِيُّ أَصِيلًا فِي حَقِّ الضَّمَانِ إذَا أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ صَالِحْنِي عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ كَالزَّوْجِ إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ فُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ وَضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ ذَلِكَ كَانَ بَدَلُ الْخُلْعِ عَلَيْهِ وَكَانَ أَصِيلًا فِي الضَّمَانِ وَمُتَبَرِّعًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ فَكَذَا هُنَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهَذَا صُلْحُ الْفُضُولِيِّ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَيَلْزَمُ الْمَالُ عَلَى الْمَصَالِحِ الْفُضُولِيِّ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي شَيْءٌ بِأَنْ يَقُولَ الْفُضُولِيُّ لِلْمُدَّعِي أُصَالِحُك مِنْ دَعْوَاك هَذِهِ عَلَى فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك هَذِهِ الْأَلْفَ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ وَهُمَا فَصْلٌ وَاحِدٌ، أَوْ قَالَ عَلَى أَلْفِي هَذِهِ، أَوْ عَلَى عَبْدِي هَذَا أَضَافَ الْمَالَ إلَى نَفْسِهِ أَوْ عَيَّنَ الْبَدَلَ فَقَالَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَإِنَّمَا كَانَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِإِسْقَاطِ الدَّيْنِ بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحِيحٌ وَالتَّبَرُّعُ بِإِسْقَاطِ الْخُصُومَةِ عَنْ غَيْرِهِ صَحِيحٌ وَالصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ إسْقَاطٌ لِلدَّيْنِ وَالصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ إسْقَاطٌ لِلْخُصُومَةِ فَيَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ، وَفِي فَصْلٍ وَاحِدٍ لَا يَصِحُّ بِأَنْ قَالَ أُصَالِحُك مِنْ دَعْوَاك هَذِهِ مَعَ فُلَانٍ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ عَلَى عَبْدٍ وَسَطٍ فَإِنَّ هَذَا الصُّلْحَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَجَازَ يَصِحَّ وَيَجِبْ الْمَالُ عَلَيْهِ دُونَ الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ التَّوْكِيلِ وَالْحُكْمُ فِي التَّوْكِيلِ كَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ يَبْطُلْ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ وَالْمُدَّعَى لَا يَسْقُطُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>