للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقَدَّرَةٌ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَمَا قُلْنَا فِي الصُّلْحِ عَنْ قَتْلِ الْخَطَأِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَقَادِيرِ الدِّيَةِ، وَعَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ وَصَارَ كَمَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقِيمَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَى أَجْلٍ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ لَجَازَ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمَانَ بَدَلٌ عَنْ الْعَيْنِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَيَجُوزُ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَمَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً حَقِيقَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ الْمِثْلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنَى؛ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْمُقَدَّرَاتِ فَكَذَا فِي الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا فِي الذِّمَّةِ مُمْكِنٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيَوَانَ وَالثِّيَابَ وَغَيْرَهَا مِنْ غَيْرِ الْمُقَدَّرَاتِ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فِي النِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ وَالدِّيَةِ وَفِي كُلِّ مَا هُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَكَذَا فِي الْمَغْصُوبِ إذْ لَا تَعَذُّرَ فِي نَفْسِ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْأَخْذِ يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ أَخْذَ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ وَالدَّافِعَ لَا يَعْرِفَانِ حَقِيقَةَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَكَانَ الْوَاجِبُ مِثْلَهُ

فَإِذَا أَخَذَ عِوَضَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يَكُونُ رِبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ أَوْ نَقُولُ: إنَّ الْعَيْنَ بَعْدَ الْهَلَاكِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ يَتَقَرَّرْ حَقُّهُ فِي الْقِيمَةِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ التَّضْمِينَ بَقِيَ الْعَيْنُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَجِبَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ آبِقًا فَعَادَ مِنْ إبَاقِهِ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالضَّمَانُ يَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْعَيْنِ، وَلَا رِبَا فِيهَا كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْلِ رَدُّ الْعَيْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ»، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهِيَ فِي حَقِّ الْأَخْذِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِ الْمَأْخُوذِ بَدَلًا عَنْ الْقِيمَةِ لِإِمْكَانِ جَعْلِهِ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ، وَالدِّيَةُ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَا ضَمَانُ الْعِتْقِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُقَدَّرًا فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ فَوْقَ تَقْدِيرِ الْقَاضِي وَبِهِ يَتَقَرَّرُ فَكَذَا بِمَا هُوَ فَوْقَهُ

وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ إلَى أَجْلٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَهْلَكَ لَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ وَمَا لَا يُوقَفُ عَلَى أَثَرِهِ يَكُونُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ، وَالِافْتِرَاقُ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا وَقَبَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَدَلًا عَنْ الْقِيمَةِ لَمَا جَازَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَبِيعًا حِينَئِذٍ وَبَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ السَّلَمِ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَرَضٍ جَازَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَ الْوَاجِبِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْهُ فَصَالَحَ لَمْ يَلْزَمْ الْوَكِيلَ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَضَمَانُ الْعِتْقِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْمَتْنِ وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَقَادِيرِ الدِّيَةِ) أَيْ كَمَا إذَا صَالَحَ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ، أَوْ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ اهـ

(قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ ثُمَّ قَالَ وَكَمَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ ثُمَّ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي كُلِّ مَا هُوَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، أَوْ نَقُولُ إنَّ حَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى الْمِثْلِ مَعْنًى وَهُوَ الْمِثْلُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فَقَبْلَ الْقَضَاءِ إذَا تَصَالَحَا عَلَى الْأَكْثَرِ لَا يَلْزَمُ الرِّبَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ لَا اسْتِيفَاءٌ لِعَيْنِ حَقِّهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْأَكْثَرِ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ الْحَقُّ فِيهَا فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ رِبًا لَا مَحَالَةَ وَبِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا فَلَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَغْيِيرُ الثَّابِتِ شَرْعًا وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَجْبُورٌ عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ إلَى الشَّفِيعِ بِثَمَنٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ الثَّمَنُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَمْلِكُ التَّغْيِيرَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ وَبِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ نِصْفٍ لِلْمُعْتَقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مَنَعُوا ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا شَرَحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَنَقُولُ لَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ حَقُّ السَّاكِتِ مُقَدَّرٌ فِي الْقِيمَةِ شَرْعًا لَا يَحْتَمِلُ الْمَزِيدَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ لَا وَكْسَ فِيهِ وَلَا شَطَطَ»

فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ وَإِلَّا سَعَى الْعَبْدُ فِيهِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ التَّقْدِيرُ شَرْعًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْعَيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قَائِمًا فَالصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ جَائِزٌ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا كَانَ قَائِمًا عَنْ الْكَاكِيِّ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ)، وَلَوْ كَانَ اكْتَسَبَ كَسْبًا كَانَ الْكَسْبُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْكَسْبَ بِمِلْكِ الْأَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ عَلَى مَا أَخَذَتْ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالدَّلِيلُ أَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ مِنْ الْقِيمَةِ عَلَى مَكِيلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَقَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ مُنْقَطِعًا وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَيْنًا لِمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَلَمًا فَلَا بُدَّ مِنْ شَرَائِطِ عَقْدِ السَّلَمِ اهـ قَوْلُهُ لَمْ يَنْقَطِعْ فِيهِ أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ صَالَحَ عَلَى شَيْءٍ مَوْصُوفٍ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى عَرَضٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي ذَيْلِ وَجْهِ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَرَضٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَبِخِلَافِ الْغَبَنِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ فَضْلًا فَلَمْ يَكُنْ رِبًا اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>