الْمِثْقَالَ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيَجِبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك بِخَمْسِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَخَمْسِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ حَيْثُ يَجِبُ مِنْ الذَّهَبِ مَثَاقِيلُ وَمِنْ الْفِضَّةِ دَرَاهِمُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَلْفَ إلَيْهِمَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسِمْسِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثُلُثُ الْكُرِّ، وَهَذَا قَاعِدَتُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كُلِّهَا كَالْمَهْرِ، وَالْوَصِيَّةِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالْإِجَارَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْزُونِ، وَالْمَكِيلِ، وَالْمَعْدُودِ، وَالْمَذْرُوعِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُضِيَ زَيْفٌ عَنْ جَيِّدٍ وَتَلِفَ، فَهُوَ قَضَاءٌ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ جِيَادٌ فَقَضَاهُ زُيُوفًا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَهَلَكَتْ، أَوْ أَنْفَقَهَا، ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ، فَهُوَ قَضَاءٌ، فَلَا يَكُونُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَ زُيُوفِهِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ حَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ مَرْعِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَمَا يُرَاعَى حَقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بِمُجَرَّدِ الْجَوْدَةِ؛ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لَا قِيَامٌ لَهَا بِذَاتِهَا وَلَا قِيمَةَ لَهَا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا فَتَعَيَّنَ رَدُّ مِثْلِ الْمَقْبُوضِ، وَالرُّجُوعُ بِالْجِيَادِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ حَتَّى لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ لَمَا جَازَ لِكَوْنِهِ اسْتِبْدَالًا؛ إذْ هُوَ حَرَامٌ فِي الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ فَإِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ اسْتَوْفَاهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا الْجَوْدَةُ، وَهِيَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ حَقًّا لَهُ مُمْتَنِعٌ وَلِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَبَعٌ، فَلَا تَنْقُضُ الْقَبْضَ فِي الْأَصْلِ لِأَجْلِهِ كَيْ لَا يَنْعَكِسَ فَيَكُونَ الْأَصْلُ تَبَعًا، وَالتَّبَعُ أَصْلًا بِخِلَافِ الرَّاهِنِ إذَا أَتْلَفَ الرَّهْنَ، أَوْ الْمَوْلَى إذَا أَتْلَفَ مِلْكَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدِينِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ مِلْكًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَاكَ لِأَجْلِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ، وَالْغُرَمَاءُ فَلَمْ يَكُنْ الْإِيجَابُ عَلَيْهِ لِحَقِّهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَفْرَخَ طَيْرٌ، أَوْ بَاضَ، أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ)؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَكَانَ، أَوْلَى بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَالْبِيضُ صَيْدٌ» وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ بِكَسْرِهِ وَشَيِّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: ٩٤] أَيْ الْبِيضِ، وَالْفَرْخِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مُهَيَّأَةً لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ مُهَيَّأَةً لِلِاصْطِيَادِ، فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ الصَّالِحِ إلَّا بِالْقَصْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلْجَفَافِ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِاصْطِيَادَ مَلَكَهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ، أَوْ وَقَعَ مَا نُثِرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي ثِيَابِهِ بِخِلَافِ مَعْسَلِ النَّحْلِ فِي أَرْضِهِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مُعَدَّةً لِذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنْ أَنْزَلْ الْأَرْضِ حَتَّى يَمْلِكُهُ تَبَعًا لَهَا كَالْأَشْجَارِ النَّابِتَةِ، وَالتُّرَابِ الْمُجْتَمِعِ فِيهَا لِجَرَيَانِ الْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَدَّةً وَلِهَذَا يَجِبُ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ أَوْ أَنْفَقَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ إلَخْ) هَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ.
الثَّانِيَةُ كَفَلَ بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ رَجَعَ بِالْجِيَادِ الثَّالِثَةُ اشْتَرَى بِالْجِيَادِ، وَنَقَدَ الزُّيُوفَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْجِيَادِ، الرَّابِعَةُ اشْتَرَى الدَّارَ بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ فَالشُّفْعَةُ بِالْجِيَادِ الْخَامِسَةُ حَلَفَ لَا يَقْضِيَنَّ حَقَّهُ الْيَوْمَ وَعَلَيْهِ جِيَادٌ فَقَضَى زُيُوفًا بَرَّ اهـ.
قُنْيَةٌ فِي الشُّفْعَةِ قَوْلُهُ فَقَضَى زُيُوفًا بَرَّ قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْأَجْنَاسِ اشْتَرَى بِالْجِيَادِ وَنَقَدَ الزُّيُوفَ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِالْجِيَادِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ اهـ. .
[أفرخ طير أَوْ باض فِي أَرْض رَجُل]
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ) أَيْ دَخَلَ كِنَاسَهُ وَالْكِنَاسُ بَيْتُ الظَّبْيِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَكَسَّرَ أَيْ وَقَعَ فِيهَا فَتَكَسَّرَ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَسَّرَهُ رَجُلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَا لِلْآخِذِ وَلَا يَخْتَصُّ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ اهـ.
كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ تَكَنَّسَ اسْتَتَرَ اهـ.
وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَقَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ الرُّقَيَّاتِ مَسَائِلَ نَحْوَ هَذَا قَالَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اتَّخَذَ حَظِيرَةً فِي أَرْضِهِ فَدَخَلَ الْمَاءُ وَاجْتَمَعَ فِيهِ السَّمَكُ فَقَدْ مَلَكَ السَّمَكَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَوْ اُتُّخِذَ لِحَاجَةٍ أُخْرَى فَمَنْ أَخَذَ السَّمَكَ فَهُوَ لَهُ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفَرَ فِي أَرْضِهِ حَفِيرَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَتَكَسَّرَ فَإِنْ اتَّخَذَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِلصَّيْدِ فَهُوَ لَهُ وَقَدْ مَلَكَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْ ذَلِكَ لِلصَّيْدِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ صُوفًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَجَاءَ الْمَطَرُ فَابْتَلَّ ثُمَّ إنَّ رَجُلًا عَصَرَهُ وَأَخْرَجَ مِنْهُ الْمَاءَ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ لِأَجْلِ مَاءِ الْمَطَرِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْعُيُونِ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَلَوْ أَنَّ صَيْدًا بَاضَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ تَكَسَّرَ فِيهَا فَجَاءَ رَجُلٌ لِيَأْخُذَهُ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ مَنَعَهُ إيَّاهُ فِي مَوْضِعٍ يَقْدِرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى أَخْذِهِ قَرِيبًا مِنْهُ كَانَ الصَّيْدُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَمَنْعُهُ مِنْهُ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ أَنَّ صَيْدًا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَإِنْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ بِغَيْرِ صَيْدٍ فَقَدْ مَلَكَهُ وَلَوْ أَنَّهُ أَغْلَقَ الْبَابَ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الصَّيْدَ وَلَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَمْلِكُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ دَارِهِ) قَالَ الْكَمَالُ، وَكَذَا إذَا دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ فَأَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ عَلَيْهِ أَوْ سَدَّ الْكُوَّةَ، وَكَذَا إذَا وَقَعَ فِي ثِيَابٍ النِّثَارُ مِنْ السُّكْرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ مَا لَمْ يَكُفَّ ثَوْبَهُ عَلَى السَّاقِطِ فِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَنْزَال) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْأَنْزَالُ جَمْعُ نُزُلٍ يُقَالُ طَعَامٌ كَثِيرُ النُّزُلِ وَالْمَنْزِلِ أَيْ الرَّيْعِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ.