للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِهِ وَلَا يُقَالُ هَذَا بَيْعٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَكَيْفَ يُبَاعُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ إنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُهُ ثُمَّ يَبِيعُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ إيفَاءِ الثَّمَنِ، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَيْعَ هُنَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَفِي ضِمْنِهِ يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَصِحُّ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَصْدًا، ثُمَّ إذَا بَاعَ وَأَوْفَى ثَمَنَهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ يُمْسِكُهُ لِلْمُشْتَرِي الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ تَبِعَهُ الْبَائِعُ إذَا ظَفِرَ بِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ غَابَ أَحَدُ الْمُشْتَرِيَيْنِ لِلْحَاضِرِ دَفْعُ كُلِّ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ وَحَبْسُهُ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكُهُ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى رَجُلَانِ شَيْئًا فَغَابَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ لِلْحَاضِرِ دَفْعُ كُلِّ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ كُلَّهُ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ شَرِيكُهُ فَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ حَتَّى يَنْقُدَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا نَقَدَ الْحَاضِرُ الثَّمَنَ لَا يَأْخُذُ إلَّا نَصِيبَهُ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِيمَا أَدَّى عَنْ صَاحِبِهِ فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوَاضِعَ أَحَدُهَا فِي قَبْضِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ عَلَى تَقْدِيرِ إيفَاءِ الثَّمَنِ كُلِّهِ، وَالثَّانِي فِي حَبْسِ نَصِيبِ الْغَائِبِ عَنْهُ إذَا حَضَرَ، وَالثَّالِثُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى، وَالرَّابِعُ فِي إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى قَبُولِ مَا أَدَّاهُ الْحَاضِرُ مِنْ نَصِيبِ الْغَائِبِ، عِنْدَهُمَا يُجْبَرُ وَعِنْدَهُ لَا يُجْبَرُ، وَالْخَامِسُ فِي إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى تَسْلِيمِ نَصِيبِ الْغَائِبِ مِنْ الْمَبِيعِ إلَى الْحَاضِرِ عِنْدَ إيفَاءِ الثَّمَنِ كُلِّهِ فَعِنْدَهُمَا يُجْبَرُ وَعِنْدَهُ لَا يُجْبَرُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْحَاضِرَ قَضَى دَيْنًا عَلَى الْغَائِبِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِيهِ وَلَا جَبْرَ وَلَا رُجُوعَ فِي التَّبَرُّعَاتِ، وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَصِيبِهِ، فَلَا يَقْبِضُهُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ مُضْطَرًّا لَمَا اُخْتُلِفَ بَيْنَ حَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَكَمُعِيرِ الرَّهْنِ وَصَاحِبِ الْعُلْوِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَبِنَاءِ السُّفْلِ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ مُضْطَرٌّ إلَى أَدَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ كُلِّ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ كُلَّ الثَّمَنِ، فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَى قَضَاءِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِيَصِلَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ وَصَاحِبِ الْعُلْوِ، وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ بَيْنَ حَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ مِلْكَ الْغَائِبِ يَثْبُتُ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ شَخْصَيْنِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِقَبُولِ الْآخَرِ وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُطَالَبُ بِمَا يَخُصُّ صَاحِبَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّيْءَ مَتَى تَرَدَّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَوَفَّرَ عَلَيْهِ حَظُّهُمَا فَلِشَبَهِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا عِنْدَ حُضُورِهِ وَلِشَبَهِهِ بِالْوَكِيلِ يَكُونُ مُضْطَرًّا عِنْدَ غَيْبَتِهِ، وَهَذَا، أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْحَضْرَةِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْحُكَّامِ، فَلَا يَكُونُ مُضْطَرًّا وَفِي حَالِ غَيْبَتِهِ لَا يُمْكِنُهُ فَجُعِلَ مُضْطَرًّا فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَيَحْبِسُ الْمَبِيعَ بِهِ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ مَحْضٌ وَلَيْسَ بِمُتَرَدِّدٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِأَلْفِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَهُمَا نِصْفَانِ)؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِهِ) أَيْ بَلْ هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَالْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ وَلَا يَثْبُتُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْبَيْعِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَهَذَا طَرِيقُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ وَتَقْرِيرُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ حَقٍّ عَلَى الْغَائِبِ وَلَيْسَ ثَمَّ خَصْمٌ حَاضِرٌ لَا قَصْدِيٌّ وَلَا حُكْمِيٌّ فَهُوَ كَمَنْ أَقَامَهَا عَلَى غَائِبٍ لَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى حَقِّهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تُقْبَلُ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ وَعَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي وَرُبَّمَا تَرْبُو النَّفَقَةُ عَلَى الثَّمَنِ وَالْقَاضِي نَاظِرٌ لِإِحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهَا لِدَفْعِ الْبَلِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَهَا لِيُثْبِتَ حَقًّا عَلَى الْغَائِبِ لِيَنْزِعَ شَيْئًا مِنْ يَدِهِ لَا يَقْبَلُهَا وَالْإِجْمَاعُ فِي مِثْلِهِ لِدَفْعِ الْبَلِيَّةِ عَنْ الْبَائِعِ وَلَيْسَ فِيهِ إزَالَةُ يَدِ الْغَائِبِ عَمَّا فِي يَدِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ اهـ.

كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكَهُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ نَقَدْته الدَّرَاهِمَ وَنَقَدْت لَهُ الدَّرَاهِمَ أَيْ أَعْطَيْته فَانْتَقَدَهَا أَيْ قَبَضَهَا وَنَقَدْت الدَّرَاهِمَ وَانْتَقَدْتهَا إذَا أَخْرَجْت مِنْهَا الزَّيْفَ اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَنَقَدَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي تَارَةً بِنَفْسِهِ وَتَارَةً بِحَرْفِ الْجَرِّ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يَنْقُدَهُ شَرِيكُهُ الثَّمَنَ بِحَذْفِ الْمَفْعُولَيْنِ أَوْ يَنْقُدَ لَهُ شَرِيكُهُ الثَّمَنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْلَ إعْطَاءِ الثَّمَنِ فَالْحَاضِرُ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ نَصِيبِهِ إلَّا بِنَقْدِ جَمِيعِ الثَّمَنِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ الْحَبْسَ بِكُلِّ الثَّمَنِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ نَصِيبِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ عَنْهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ) أَيْ إذَا أَفْلَسَ الرَّاهِنُ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَابَ اهـ.

(قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْحُكَّامِ) أَيْ فِي أَنْ يَنْقُدَ حِصَّتَهُ لِيَقْبِضَ نَصِيبَهُ اهـ. .

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ بَاعَ أَمَةً بِأَلْفٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ الصِّفَةِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَهُمَا نِصْفَانِ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَبِيعُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفِ مِثْقَالِ جَيِّدِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَالَ هَذَا نِصْفَانِ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَخَمْسُمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَقَوْلُهُ أَبِيعُك مُسَاوَمَةٌ لَا إيجَابٌ قَالُوا وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّنْصِيفُ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ الذَّهَبُ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمَثَاقِيلِ وَلَمْ تَتَرَجَّحْ الْفِضَّةُ لِكَوْنِهَا غَالِبَةً فِي الْمُبَايَعَاتِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَعَارَضَا وَلَمْ يُوجَدْ الْمُرَجِّحُ صُيِّرَ إلَى قَضِيَّةِ الْإِضَافَةِ وَالْبَيَانِ فَوَجَبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>