- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: حَلَّتْ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ رَوَاهُ الْهَرَوِيُّ وَلِأَنَّ هَذِهِ أَيَّامُ الْحَجِّ فَتَعَيَّنَتْ لَهُ، وَفِي قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: ٣] إشَارَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تُفِيدُ التَّخْصِيصَ فَيَكُونُ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ أَخَصَّ بِهِ مِنْ الْحَجِّ الْأَصْغَرِ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ يَعْنِي بِيَوْمِ النَّحْرِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقِيلَ: وَاجِبَةٌ، وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: هِيَ تَطَوُّعٌ، وَفِي الْجَدِيدِ: هِيَ فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] أَمَرَ بِهَا، وَهِيَ لِلْوُجُوبِ وَرُوِيَ «عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالظَّعْنَ قَالَ اُحْجُجْ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى عَبْدُ الْحَقِّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِمَا بَدَأْت» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ أَحَدٌ إلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّهَا لِقَرِينَتِهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» وَالْأَخْبَارُ فِي كَوْنِهَا تَطَوُّعًا كَثِيرَةٌ.
وَقَدْ ظَهَرَتْ فِيهَا آثَارُ النَّفْلِ حَيْثُ تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَفَائِتِ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهَا وَكَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يَكُونُ شَارِعًا فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا تَأَدَّتْ بِنِيَّةِ غَيْرِهَا كَصَلَاةِ الْفَرْضِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِوُجُوبِهَا بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَسَّرُوا الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ وَكَذَا لَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ الْعَامِرِيِّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَبِيهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ أَيْضًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ أَبَاهُ لَا يَسْتَطِيعُ، وَهُمَا لَا يَجِبَانِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ، وَحَدِيثُ عَبْدِ الْحَقِّ لَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ يُعَارَضُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ، وَإِنَّمَا عُمْرَتُكُمْ طَوَافُكُمْ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا سَقَطَتْ بِالنَّفْلِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ الطَّوَافَ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ، وَالْفَرْضُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ) الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ صَدَقَةً أَوْ قِرَاءَةَ قُرْآنٍ أَوْ الْأَذْكَارَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ، وَيَصِلُ ذَلِكَ إلَى الْمَيِّتِ وَيَنْفَعُهُ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ وَلَا يَنْفَعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم: ٤٠] وَلِأَنَّ الثَّوَابَ هُوَ الْجَنَّةُ وَلَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ أَنْ يَجْعَلَهَا لِنَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ، وَفِي الْحَجِّ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ) وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمٌ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُفِيدُهُ اهـ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ صِفَتُهَا فِي بَابِ التَّمَتُّعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْجَدِيدِ هِيَ فَرِيضَةٌ) وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ حَبِيبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ وَأَيْضًا الثَّوْرِيُّ وَالْفَضْلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ اهـ كَيْ (قَوْلُهُ: وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْرِفُ حَدِيثًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا فِي إيجَابِ الْعُمْرَةِ، وَلَا أَصَحَّ مِنْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَنَحْنُ نَقُولُ بِوُجُوبِهَا بَعْدَهُ) وَبِهَذَا لَا تَثْبُتُ فَرْضِيَّتُهَا كَمَا لَا تَثْبُتُ فَرْضِيَّةُ الْحَجِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَلْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] وقَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] قُرِئَتْ وَالْعُمْرَةُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الرَّفْعِ ابْتِدَاءُ إخْبَارٍ أَنَّ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَالنَّوَافِلَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى تَقْدِيرِ النَّصْبِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا، كَمَا ذَكَرْنَا. اهـ. كَاكِيٌّ
[بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ]
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَجِّ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ الْأَصْلُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّبَعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُخَالِفَ لِمَا ذَكَرَ خَارِجٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ لَا يَقُولَانِ بِوُصُولِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ بَلْ غَيْرُهُمَا كَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَهُمْ كَمَالُ الِاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِاسْمِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا غَيْرَ أَنَّ لَهُمْ وَصْفًا عَبَّرَ عَنْهُمْ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَنْجَعِلُ بِالْجَعْلِ أَوْ لَا بَلْ يَلْغُو بِجَعْلِهِ اهـ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] وَسَعْيُ غَيْرِهِ لَيْسَ سَعْيَهُ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَسُوقَةً قَصًّا لِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَحَيْثُ لَمْ يُتَعَقَّبْ بِإِنْكَارٍ كَانَ شَرِيعَةً لَنَا عَلَى مَا عُرِفَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْجَوَابُ: أَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِيمَا قَالُوهُ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا نُسِخَتْ أَوْ مُقَيَّدَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ مَا يُوجِبُ الْمَصِيرَ إلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الثَّوَابَ هُوَ الْجَنَّةُ) أَيْ، وَهِيَ لِلَّهِ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ تَمْلِيكُ مِلْكِ الْغَيْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إلَخْ) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَلِلْمَيِّتِ أَجْرُ الْمُسْتَمِعِ عِنْدَهُمَا. اهـ. كَاكِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute