للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ إنَّمَا تَكُونُ كَعَيْنِهِ أَنْ لَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْ الْخِنْزِيرِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ، أَمَّا إذَا كَانَ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا وَفِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ بَدَلٌ عَنْ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَإِنَّمَا صُيِّرَ إلَيْهَا لِلتَّقْدِيرِ بِهَا لَا غَيْرُ، فَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ عَيْنِهِ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَمَنْ أَوْجَبَ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْجَبَ الْمُتْعَةَ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَنْ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ أَوْجَبَ نِصْفَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ).

الرِّقُّ الضَّعْفُ وَضِدُّهُ الْعِتْقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ) وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَكِنَّهُ لَا يَنْفُذُ كَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ عَقَدَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ، ثُمَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَوْلَى يَكُونُ طَلَاقًا بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ بَاطِلٌ وَلَا يَصِحُّ بِإِجَازَتِهِ، وَعَنْهُ لِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ أَوْ تَرْكُهُ كَنِكَاحِ الْعَبْدِ وَهِيَ شَاذَّةٌ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥] وَالنِّكَاحُ شَيْءٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ

وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَبْدٌ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ؛ وَلِأَنَّ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمْ تَعْيِيبَهُمْ إذْ النِّكَاحُ عَيْبٌ فِيهِمْ فَلَا يَمْلِكُونَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ مَقْبُولٌ مَعَ أَنَّهُ تَعْيِيبٌ، بَلْ فِيهِ إهْلَاكٌ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ تَحْتَ مِلْكِ الْمَوْلَى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ تَجِبُ عُقُوبَةً جَزَاءً عَلَى ارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ وَزَجْرًا لِلْعِبَادِ عَنْ الْفَسَادِ وَذَلِكَ بِالْآدَمِيَّةِ وَمِلْكُهُ ثَبَتَ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ وَمَا ثَبَتَ مِنْ التَّعْيِيبِ فِي ضِمْنِهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يُبَالِي بِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى (بِيعَ فِي مَهْرِهَا) أَيْ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَأَشْبَهَ دُيُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ ضَعِيفَةٌ فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ لَتَضَرَّرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا حَيْثُ لَا يُبَاعُ بِهِ، بَلْ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِعَدَمِ صُدُورِ الْإِذْنِ مِنْ الْمَوْلَى كَمَا إذَا لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَزِمَهُ بِالْإِتْلَافِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَّقَهَا إلَخْ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَيْنِ لَهَا نِصْفُ الْعَيْنِ وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ فِي الْخَمْرِ لَهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ وَفِي الْخِنْزِيرِ لَهَا الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الْوَاجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهَا الْمُتْعَةُ عَلَى كُلّ حَالٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ نِصْفُ الْقِيمَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. اك

[بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ]

الرَّقِيقُ الْعَبْدُ وَيُقَالُ لِلْعَبِيدِ. اهـ. فَتْحٌ وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ فَصْلِ النَّصْرَانِيِّ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِمَا أَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَنْفُذُ نِكَاحُهُ أَصْلًا إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّ لَهُمْ وَلَايَةَ النِّكَاحِ، فَلَمَّا ذَكَرَ مَنْ لَهُمْ وَلَايَةُ النِّكَاحِ بِأَنْفُسِهِمْ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ أَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ لَيْسَ لَهُمْ وَلَايَةُ النِّكَاحِ بِأَنْفُسِهِمْ وَهُمْ الْأَرِقَّاءُ وَقَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى نِكَاحِ أَهْلِ الشِّرْكِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُسْلِمِ بَقَاءً وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ابْتِدَاءً وَالرَّقِيقُ الْمُسْلِمُ خَيْرٌ مِنْ الْمُشْرِكِ الْحُرِّ، قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي بَيَانِ نِكَاحِ الْأَرِقَّاءِ وَالْإِسْلَامُ فِيهِمْ غَالِبٌ فَلِذَا قَدَّمَ بَابَ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَوْلَاهُ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ فَصْلِ النَّصْرَانِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَهْرِ مِنْ تَوَابِعِ مُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَهْرُ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ فَأَرْدَفَهُ تَتِمَّةً لَهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْعَبْدِ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَلِذَا ذَكَرَهَا الشَّيْخُ فِيمَا مَضَى فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ بِعِبَارَةٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ وَهَهُنَا قَالَ لَمْ يَجُزْ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ مَوْقُوفٌ مِثْلَ مَا قَالَ هُنَاكَ أَوْ لَا يَنْفُذُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَمَا نَسَبَهُ إلَى مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ مَذْهَبَهُ وَحَاصِلُ تَقْرِيرِ وَجْهِهِ الْمَذْكُورِ مُلَازَمَةٌ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ شَرْعًا فَقَدْ تَبَيَّنَ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ رَفْعَ شَيْءٍ مَلَكَ وَضْعَهُ وَتُمْنَعُ بِمِلْكِ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ النَّفْسِ وَلَا يَمْلِكُ إثْبَاتَهُ شَرْعًا عَلَى نَفْسِهِ وَلِذَا مَلَكَ التَّطَبُّبَ وَلَمْ يَمْلِكْ أَكْلَ السُّمِّ وَإِدْخَالَ الْمُؤْذِي عَلَى الْبَدَنِ وَإِلَّا وَجَّهَ بَيَانَهَا بِأَنَّهُ مَلَكَ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ فَكَذَا النِّكَاحُ وَيُجَابُ بِمَا سَنَذْكُرُ، ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ: وَلِأَنَّهُ فِي تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا تَعْيِيبَهُمَا.

أَمَّا فِي الْعَبْدِ فَبِشَغْلِ مَالِيَّتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَلِحُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ بِالْإِفْسَادِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِرِضَاهُ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الْمَنْسُوبِ إلَى مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ فَيَمْلِكُ النِّكَاحَ فَالطَّلَاقُ إزَالَةُ عَيْبٍ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ شَاذَّةٌ) أَيْ الرِّوَايَةُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَصْلِهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ.

(قَوْلُهُ: فَهُوَ عَاهِرٌ) أَيْ زَانٍ اهـ. (قَوْلُهُ: تَعْيِيبَهُمْ) أَيْ فِي الْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ) أَيْ أَمْرًا وَنَهْيًا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْغُسْلِ وَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِيمَا عُلِمَ إسْقَاطُ الشَّارِعِ إيَّاهُ عَنْهُ كَالْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي ضِمْنِهِ ضَرُورِيٌّ) أَيْ ضَرُورَةَ صِيَانَةِ الْوَاجِبِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِيعَ فِي مَهْرِهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْدِهِ الْمَوْلَى اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي مَهْرِهَا بِخَطِّ الشَّارِحِ بِمَهْرِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا) أَيْ، ثُمَّ فَرَّقَ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>