للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَهْرٍ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْمَهْرِ وَيَحْتَمِلُ السُّكُوتَ عَنْهُ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُرْجَعُ إلَى اعْتِقَادِهِمْ

وَقِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِدُونِ اعْتِقَادِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا قِيمَةَ لَهُ فَقَدْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ بَدَلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهِ وَلَا يَجِبُ حَقًّا لَهَا لِرِضَاهَا بِدُونِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالشَّرَائِعِ وَفِي جَوَازِ خِطَابِهِمْ بِهَا عَقْلًا، وَذَكَرَ صَاحِبُ كِفَايَةِ الْفُحُولِ اخْتِلَافَهُمْ فِي جَوَازِهِ عَقْلًا وَأَمَّا وُقُوعُهُ فَفِي مُخْتَصَرِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْكَافِرَ أَهْلٌ لِأَحْكَامٍ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِوُجُوبِ الشَّرَائِعِ وَفِي أُصُولِ أَبِي الْحَسَنِ الْبُسْتِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ: إنَّ الْخِطَابَ بِالْحُرُمَاتِ وَمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَاتِ يَتَنَاوَلُ الْكُفَّارَ وَخِطَابُ الْعِبَادَاتِ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي تَنَاوُلِهِمْ الْأَمْرَ بِالْإِيمَانِ وَفِي أُصُولِ السَّرَخْسِيِّ الْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ وَالْمَشْرُوعِ مِنْ الْعُقُوبَاتِ فِيمَا اعْتَقَدُوا حُرْمَتَهُ، وَلِهَذَا تُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ وَالزَّجْرِ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَلَا يُحَدُّونَ حَدَّ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِمْ حُرْمَتَهُ، وَكَذَا يَتَنَاوَلُهُمْ الْخِطَابُ بِالْمُعَامَلَاتِ كَالْبَيْعِ لِوُجُودِ الْتِزَامِهِمْ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْخِطَابَ بِالشَّرَائِعِ يَتَنَاوَلُهُمْ فِي حُكْمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْأَمْرِ اعْتِقَادُ لُزُومِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُمْ يُنْكِرُونَ اللُّزُومَ وَذَلِكَ كُفْرٌ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ إنْكَارِ التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ لَا يَكُونُ مَعَ إنْكَارِ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ

وَفِي الْمِيزَانِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ: لَا يَتَنَاوَلُهُمْ الْخِطَابُ أَصْلًا لَا فِي حَقِّ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَا فِي حَقِّ الْعِبَادَاتِ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَيْهِ نَصًّا، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ مِنْهُمْ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ وَفِي الْمَحْصُولِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنَّا، وَمِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْأَمْرُ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَمَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاصُ إلَى تَنَاوُلِهِمْ الْخِطَابَ بِالْفُرُوعِ وَلَا يُمْكِنُهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: ٦] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: ٧]؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجُحُودُ أَيْ يَجْحَدُونَ الزَّكَاةَ، وَقَدْ عُرِفَ الْحَجِيجُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي مَوْضِعِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَيْنٍ فَأَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لَهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ لَهَا قِيمَةُ الْخَمْرِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ) مَعْنَاهُ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَتُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، لَهُمَا أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمُعَيَّنِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ مِلْكُ الزَّوْجِ فِي النِّصْفِ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ التَّرَاضِي عَلَى الِاسْتِرْدَادِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لَهُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الزَّوْجِ وَبَعْدَهُ عَلَيْهَا فَكَانَ لِلْقَبْضِ شُبْهَةٌ بِالْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ إذْ لَا يُمْلَكُ قَبْلَهُ فَكَانَ الْقَبْضُ ابْتِدَاءً تَمَلُّكًا لِلْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَالْعَقْدِ فَإِذَا امْتَنَعَ تَسْلِيمُ الْمُعَيَّنِ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ أَنْشَأَ الْعَقْدَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا عِنْدَهُمْ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ التَّسْلِيمُ بِالْإِسْلَامِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا إذَا هَلَكَ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى ضَمَانِهَا وَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَدْ ثَبَتَ بِالْقَبْضِ فَصَارَ كَالْعَقْدِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الْقَبْضُ يُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ فَيَتَعَذَّرُ قَبْضُهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ لَا تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَيَكُونُ أَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَتَى بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ تُجْبَرُ عَلَى الْأَخْذِ وَلَا كَذَلِكَ الْخَمْرُ

وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يُرَدُّ عَلَى هَذَا مَا لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَمْ تُجْعَلْ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ كَعَيْنِهِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ صَاحِبُ كِفَايَةِ الْفُحُولِ) أَيْ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَيْهِ نَصًّا) أَيْ كَعُقُودِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ حُرْمَةِ الرِّبَا وَوُجُوبِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَ) كَذَا فِي الْمُتُونِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ قَوْلِهِ وَلَوْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ) أَيْ وَهُوَ الدَّيْنُ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى الزَّوْجِ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا تَمْلِكُ) أَيْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ التَّصَرُّفَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ إيضَاحٌ لِتَمَامِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ إلَخْ يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ أَوْ اشْتَرَى، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَبْضُ بَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يُسْتَفَادُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ أَتَى بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ) أَيْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ اهـ. هِدَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>