للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ خُصُوصًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَنَحْوَهُ وَعُمُومًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا لَغَا ذِكْرُ الْمَكَانِ بَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ شِئْت فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ دَخَلْت الدَّارَ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ قُلْنَا يُحْمَلُ الظَّرْفُ عَلَى الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الظَّرْفَ يُجَامِعُ الْمَظْرُوفَ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ يُجَامِعُ الْمَشْرُوطَ أَوْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الظَّرْفِ حَقِيقَةً يَصِيرُ كِنَايَةً عَنْ الشَّرْطِ مَجَازًا فَإِنْ قِيلَ إذَا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْقِيَامِ وَفِي أَدَوَاتِهِ مَا لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَمَتَى وَإِذَا قُلْنَا حَمْلُهَا عَلَى إنْ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَتَى؛ لِأَنَّهَا صَرْفُ الشَّرْطِ بِخِلَافِ مَتَى وَنَحْوِهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كَيْفَ شِئْتِ تَقَعُ رَجْعِيَّةً فَإِنْ شَاءَتْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعَ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً قَبْلَ مَشِيئَتِهَا فَإِنْ قَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا، وَقَالَ الزَّوْجُ نَوَيْت ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَثْبُتُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا وَإِرَادَتِهِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ بَيْنَ نِيَّتِهِ وَمَشِيئَتِهَا بِأَنْ شَاءَتْ خِلَافَ مَا نَوَى وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ مَشِيئَتَهَا لَغَتْ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ، وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَهُ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا بَعْدَمَا وَقَعَ رَجْعِيًّا فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ فَإِنْ شَاءَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا بِشَرْطِ مُطَابَقَةِ إرَادَتِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ يَعْتِقُ عِنْدَهُ فِي الْحَالِ وَعِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ لَهُمَا أَنَّ هَذَا تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا تَعَلَّقَ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ كَمَا شَاءَتْ

وَهَذَا لِأَنَّ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ عَنْ الشَّيْءِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِتَعْلِيقِ أَصْلِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ بِدُونِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ أَصْلُهُ لَلَغَا تَخْيِيرُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَهُ أَنَّ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ أَصْلِهِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الْقَائِلِ

خَلِيلِي قُلْ لِي كَيْفَ صَبْرُك بَعْدَنَا ... فَقُلْتُ وَهَلْ صَبْرٌ فَتَسْأَلُ عَنْ كَيْفَ

وَإِذَا كَانَ لِلِاسْتِيصَافِ اسْتَدْعَى وُجُودَ الْمَوْصُوفِ فَيَقَعُ أَصْلُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَيَثْبُتُ أَدْنَى وَصْفِهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وَصْفِهِ وُجُودًا وَيَتَعَلَّقُ مَا وَرَاءَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَلَامَهُ إيقَاعٌ فَلَوْ ثَبَتَ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَتِهَا إنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ التَّخْيِيرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الصِّفَةِ لَا فِي الذَّاتِ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ تَنْفَكُّ عَنْ الذَّاتِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ ضَرُورَةِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَشِيئَةِ تَعَلُّقُ الذَّاتِ بِهَا وَمَا قَالَهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمَوْصُوفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَوْصَافِ عَنْ التَّعْلِيقِ لِيَصِحَّ الِاسْتِيصَافُ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِالْمَشِيئَةِ وَتَعْمِيمِ الْأَوْصَافِ وَفِيهِ إبْطَالُ الِاسْتِيصَافِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ دُونَ التَّعْطِيلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَيْثُ شِئْت وَأَيْنَ شِئْتِ؛ لِأَنَّهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ فِي مَكَان وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا لِأَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ كَمْ شِئْت؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ عَنْ الْعَدَدِ فَيَكُونُ تَفْوِيضًا لِلْعَدَدِ وَالْوَاحِدُ أَصْلُ الْعَدَدِ فِي الْمَعْدُودَاتِ فَتَكُونُ الذَّاتُ مُفَوَّضًا إلَيْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِيرُ عَدَدًا بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ الْوَاحِدَةُ عَدَدًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَدَخَلَ تَحْتَ الْأَمْرِ بِخِلَافِ الذَّاتِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا أَبَدًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ فِيمَا إذَا قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَفِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَالرَّدُّ كَالْقِيَامِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كَمْ شِئْتِ أَوْ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا شَاءَتْ فِيهِ وَإِنْ رَدَّتْ ارْتَدَّ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ وَمَا عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ كَانَ رَدًّا، وَكَذَا إنْ قَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَقْتِ فَاقْتَضَى جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ وَلَا يُقَالُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَكَيْفَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الطَّلَاقِ عَلَى الزَّمَانِ وَاعْتُبِرَ خُصُوصُ الزَّمَانِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، وَكَذَا اُعْتُبِرَ عُمُومُهُ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ زَمَانَ شِئْت أَوْ حِينَ شِئْت. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ عَنْ الشَّرْطِ مَجَازًا) أَيْ وَهُوَ خَبَرٌ مِنْ إلْغَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ بِأَنْ شَاءَتْ خِلَافَ مَا نَوَى) أَيْ بِأَنْ شَاءَتْ بَائِنَةً وَالزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ) أَيْ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بِدُونِ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِهِ) أَيْ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الصِّفَةِ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ وَهَلْ صَبْرٌ فَتَسْأَلُ عَنْ كَيْفَ) أَنْكَرَ وُجُودَ الْكَيْفِيَّةِ لِعَدَمِ الصَّبْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ) صَوَابُهُ إبْدَالُ قَبْلَ بِبَعْدَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا بَائِنَةٌ لِكَوْنِهِ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَائِنٌ إجْمَاعًا. اهـ. .

(قَوْلُهُ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) بِشَرْطِ مُطَابَقَةِ إرَادَةِ الزَّوْجِ ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمَنَارِ ابْنُ فِرِشْتَا وَالْمَوْلَى عَبْدُ اللَّهِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْوَاحِدُ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَلَمَّا تَكَرَّرَ لَهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَإِرَادَتِهِ وَمَا شِئْت تَعْمِيمُ الْعَدَدِ فَتَقْرِيرُهُ تَقْرِيرُهُ. (قَوْلُهُ، وَكَذَا إنْ قَامَتْ) أَيْ لِوَاحِدٍ فِي عَمَلٍ آخَرَ أَوْ فِي كَلَامٍ آخَرَ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>