للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحَالِهَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّيْءِ الْكَائِنِ تَنْجِيزٌ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ تَنْجِيزُ الْكُفْرِ بِقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ أَوْ نَقُولَ إنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ إذَا كَانَ مُسْتَقْبَلًا فَكَذَا إذَا كَانَ مَاضِيًا اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقْبَلِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا أَوْ إرَادَتِهَا أَوْ رِضَاهَا أَوْ هَوَاهَا أَوْ حُبِّهَا يَكُونُ تَمْلِيكًا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّنْجِيزِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ أَفْعَالِهَا كَأَكْلِهَا وَشُرْبِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِعَدَمِ مَعْنَى التَّنْجِيزِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْتِ أَوْ إذَا شِئْتِ أَوْ إذَا مَا شِئْتِ فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَا يَرْتَدُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً)؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ، وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي مَتَى وَمَتَى مَا، وَكَذَا فِي إذَا وَإِذَا مَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إذَا وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ وَالْوَقْتِ لَكِنْ جَعَلَهَا هُنَا لِلْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا بِالْقِيَامِ وَالرَّدِّ بِالشَّكِّ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهَا مِنْ قَبْلُ فَإِنْ قِيلَ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الشَّرْطِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَصْحِيحًا لِلرَّدِّ قُلْنَا إنَّمَا يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْطِ أَنْ لَوْ كَانَ الرَّدُّ صَادِرًا مِمَّنْ صَدَرَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَنَفْيًا لِلتَّنَاقُضِ فِي كَلَامِهِ. وَأَمَّا إذَا صَدَرَ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي كُلَّمَا شِئْتِ لَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ وَلَا تَجْمَعَ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْتِ لَهَا أَنْ تُوقِعَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ وَالْأَزْمَانَ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَيَقْتَضِي إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى إلَّا أَنَّ الْيَمِينَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ مَعَ صَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لَهُ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ أَمْ لَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ وَلَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَشَاءُ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ رَدُّهَا قَبْلَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَلُقَتْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْتِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَيْهِ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَا يَقَعُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَحْدَثَ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ زُفَرَ يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ يَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ عِنْدَهُمَا وَلَهَا أَنْ تَطْلُقَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَى أَنْ تُوقِعَ الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ التَّنْجِيزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي حَيْثُ شِئْتِ وَأَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءُ فِي مَجْلِسِهَا) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت أَوْ أَيْنَ شِئْت لَا تَطْلُقُ إلَّا إذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَكَانِ فَيَكُونُ هَذَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي مَكَان تَتَحَقَّقُ فِيهِ مَشِيئَتُهَا وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ) أَيْ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ إلَخْ) مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ فَاللَّازِمُ حَقٌّ وَعَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ عَدَمُ كُفْرِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ جُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا جَعَلَ تَعْلِيقَ كُفْرِهِ بِأَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَكَذَا إذَا جَعَلَهُ بِمَاضٍ تَحَامِيًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْكُفْرَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يُكَفَّرَ فَلْيُكَفَّرْ هُنَا بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ قُلْنَا النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُتَكَلِّمًا بِقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ حَقِيقَةً. اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ فَرَدَّتْ الْأَمْرَ) أَيْ بِأَنْ قَالَتْ لَا أَشَاءُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ) وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ هَذَا تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلِّقًا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَ فِي لَفْظِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت؛ لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَكِنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ) وَعَلَى هَذَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا ثِنْتَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ) أَوْ ثِنْتَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لِعُلَمَائِنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقَهُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ)، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْكَعْبَةِ يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ فِي مَكَان يُعْتَبَرُ وَاقِعًا فِي جَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ فَلَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ الطَّلَاقُ بِالْمَكَانِ صَارَ ذَلِكَ الْمَكَانُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَبَقِيَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ لِلطَّلَاقِ تَعَلُّقًا بِهِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ جُزْءٌ دَاخِلٌ فِي مَاهِيَّةِ الْفِعْلِ فَيَدُلُّ فِعْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>