للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا بِالْأَهِلَّةِ، وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا، وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَرَضِهِ وَمَرَضِهَا لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ، وَعُوِّضَ قَدْرَهُ لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَادِرٌ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَهُوَ قَدْرُ نِصْفِهِ فَكَذَا النِّصْفُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَإِنْ حَجَّ أَوْ غَابَ هُوَ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ بِفِعْلِهِ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مَعَهُ أَوْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ وَالْغَيْبَةَ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ هِيَ أَوْ غَابَتْ حَيْثُ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا كَانَ عُذْرًا فَإِنْ حُبِسَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتْ مِنْ الْمَجِيءِ إلَى السِّجْنِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ، وَكَانَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا حُبِسَ عَلَى مَهْرِهَا وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ خَاصَمَتْهُ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِتْقِ أَجَّلَهُ سَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَجَّلَهُ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ، وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بَعْدَ التَّأْجِيلِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ غَشَيَانِهَا، وَالِامْتِنَاعُ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْذَرُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُخَيَّرْ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ) أَيْ لَمْ يُخَيَّرْ وَاحِدٌ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِعَيْبٍ فِي الْآخَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ: الْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، وَالْجُنُونُ، وَالرَّتْقُ، وَالْقَرْنُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا أَوْ طَبْعًا، وَالطَّبْعُ مُؤَيَّدٌ بِالشَّرْعِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» «، وَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَرَصِ، وَقَالَ الْحَقِي بِأَهْلِك حِينَ وَجَدَ بِكَشْحِهَا وَضَحًا أَوْ بَيَاضًا»، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُشْبِهُ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُبَادَلَةٍ، وَالْبَيْعُ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ فَكَذَا النِّكَاحُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُرَدُّ الْمَرْأَةُ إذَا كَانَ بِالرَّجُلِ عَيْبٌ فَاحِشٌ بِحَيْثُ لَا تُطِيقُ الْمَقَامَ مَعَهُ لِأَنَّهَا تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إلَى حَقِّهَا لِمَعْنًى فِيهِ فَكَانَ كَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهَا عَيْبٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِغَيْرِهَا، وَلَنَا أَنْ، الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ هُوَ الْوَطْءُ

وَهَذِهِ الْعُيُوبُ لَا تَفُوتُهُ بَلْ تُوجِبُ فِيهِ خَلَلًا فَفَوَاتُهُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَاخْتِلَالُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَ، وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ تَأْثِيرُهَا فِي تَفْوِيتِ تَمَامِ الرِّضَا، وَلُزُومُ النِّكَاحِ لَا يَعْتَمِدُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْهَزْلِ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا عَجُوزًا شَوْهَاءَ بِهَا شِقٌّ مَائِلٌ وَلُعَابٌ سَائِلٌ وَهِيَ عَمْيَاءُ مَقْطُوعَةُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَوْ شَلَّاءُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ فَقَدَ رِضَاهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ تَمَامَ الرِّضَا شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ مِثْلَهُ لَرُدَّ بِجَمِيعِ الْعُيُوبِ كَالْبَيْعِ، وَلَا فَائِدَةَ لِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ، وَفِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا يَعْدَمَانِ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ، وَالتَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعُيُوبِ لَا يُعْدِمُهُ بَلْ يُخِلُّ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَرْنَاءَ وَالرَّتْقَاءَ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِمَا بِالْفَتْقِ وَالشَّقِّ

وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، لَا يُعْلَمُ لِكَعْبٍ وَلَدٌ اسْمُهُ زَيْدٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْفِرَارَ لَا الْخِيَارَ، وَظَاهِرُهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ جِمَاعًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ، وَيُثَابُ عَلَى خِدْمَتِهِ وَتَمْرِيضِهِ، وَعَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَالْمَجْذُومُ هُوَ الَّذِي بِهِ الْجُذَامُ، وَهُوَ دَاءٌ يَشُقُّ الْجِلْدَ، وَيَقْطَعُ اللَّحْمَ، وَيَتَسَاقَطُ مِنْهُ، وَالْفِعْلُ جُذِمَ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ بِمَعْنَى أَصَابَهُ الْجُذَامُ، وَهُوَ مَجْذُومٌ، وَلَا يُقَالُ أَجْذَمَ. وَالْبَرَصُ دَاءٌ، وَهُوَ بَيَاضٌ، وَقَدْ بَرِصَ الرَّجُلُ فَهُوَ أَبْرَصُ، وَأَبْرَصَهُ اللَّهُ، وَجُنَّ الرَّجُلُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فَهُوَ مَجْنُونٌ، وَأَجَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَجْنُونٌ، وَلَا يُقَالُ مُجَنٌّ، وَلَا جَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَجَاءَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَفْعَلَ عَلَى مَفْعُولٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ دُونَ مُفْعِلِ؛ هَذَا، وَالثَّانِي أَحْزَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَحْزُونٌ

وَالثَّالِثُ أَحَبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَحْبُوبٌ، وَجَاءَ مُحِبٌّ عَلَى الْأَصْلِ فِي شَعْرِ عَنْتَرَةَ

وَلَقَدْ نَزَلَتْ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحِبِّ الْمُكْرَمِ

وَالْقَرْنُ فِي الْفَرْجِ مَا يَمْنَعُ سُلُوكَ الذَّكَرِ فِيهِ، وَهُوَ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ أَوْ لُحْمَةٌ، مُرْتَفِعَةٌ أَوْ عَظْمٌ، وَامْرَأَةُ قَرْنَاءُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِهَا، وَهُوَ الْعَفَلَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَرْنَ عَظْمٌ نَاتِئٌ مُحَدَّدُ الرَّأْسِ كَقَرْنِ الْغَزَالَةِ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ.، وَالرَّتْقُ التَّلَاحُمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَيُحْتَسَبُ بِأَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ) يَعْنِي لَا يُعَوَّضُ عَنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ الْوَاقِعَةِ فِي مُدَّةِ التَّأْجِيلِ أَيَّامٌ أُخَرُ بَلْ هِيَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ قَدَّرُوا مُدَّةَ التَّأْجِيلِ بِسَنَةٍ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْهَا أَيَّامَ الْحَيْضِ وَشَهْرَ رَمَضَانَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ السَّنَةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْهُ) يَعْنِي لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَضُ مَحْسُوبًا مِنْ مُدَّةِ التَّأْجِيلِ قَلِيلًا كَانَ الْمَرَضُ أَوْ كَثِيرًا بَلْ يُعَوَّضُ لِذَلِكَ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكُتِبَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْهُ مَا نَصَّهُ أَيْ عَنْ الْمَرَضِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ هِيَ أَوْ غَابَتْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَحْتَسِبُ، عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الْخُرُوجِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ الزَّوْجُ حَيْثُ يَحْتَسِبُ، عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَجْزَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَنِعْ وَكَانَ لَهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ احْتَسَبَ عَلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً فِي حَقٍّ وَكَانَ يُمْكِنُهُ الْخَلْوَةُ مَعَهَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَيَّام وَإِلَّا فَلَا

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يُخَيَّرْ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ) اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يُفْسَخُ بِعَيْبٍ مَا فِي الْمَرْأَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالرَّتْقُ) امْرَأَةٌ رَتْقَاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خُرْقٌ، إلَّا الْمَبَالَ اهـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَالْقَرْنُ) مِثْلُ فَلْسٍ الْعَفْلَةِ،، وَهُوَ لَحْمٌ يَنْبُتُ فِي الْفَرْجِ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالْغُدَّةِ الْغَلِيظَةِ، وَقَدْ يَكُونُ عَظْمًا. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ حِسًّا) أَيْ فِي الرَّتْقِ وَالْقَرْنِ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ طَبْعًا) أَيْ فِي الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْجُنُونِ (قَوْلُهُ بَرِصَ الرَّجُلُ) مِنْ بَابِ تَعِبَ. اهـ. مِصْبَاحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>