للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوجِبُ كَوْنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةُ وَذِكْرُ الْعَمَلِ مَعَ تَقْدِيرِ الدَّقِيقِ يُوجِبُ كَوْنَ الْعَمَلِ هُوَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَنَفْعُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ لِكَوْنِهِ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا، وَنَفْعُ الْأَجِيرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ فَفَسَدَ الْعَقْدُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَقَالَا إنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ ذَكَرَ قَوْلَهُمَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ لَمْ يُفْرِغْهُ فِي الْيَوْمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَيُرَجَّحُ بِكَوْنِ الْعَمَلِ مَقْصُودًا دُونَ الْوَقْتِ وَتَقْدِيرُ الْمَعْمُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا تُقَدَّرُ بِالْعَمَلِ، وَإِنَّمَا تُقَدَّرُ بِالْوَقْتِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا سَمَّى عَمَلًا، وَقَالَ فِي الْيَوْمِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَلَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَهُوَ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ مَا إذَا حُذِفَتْ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ

وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي الْغَدِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا مِنْ الدَّقِيقِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ الْيَوْمَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْيَوْمَ هُنَا لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا لِإِثْبَاتِ صِفَةٍ فِي الْعَمَلِ وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بِالْعَقْدِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابَةُ وَالْخَبْزُ مَعْقُودًا عَلَيْهِمَا مَقْصُودًا حَتَّى لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ ذَكَرَ الْيَوْمَ قَصْدًا كَالْعَمَلِ، وَقَدْ أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا فِي جَعْلِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِ الْمُسْتَأْجِرِينَ وَرَغَبَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْوَقْتِ طَمَعًا فِي زِيَادَةِ الْعَمَلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْعَمَلِ خَوْفًا مِنْ بَطَالَةِ الْعَامِلِ وَمُضِيِّ الْوَقْتِ بِلَا عَمَلٍ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ أَغْرَاضُ الْأُجَرَاءِ أَيْضًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْعَمَلِ كَيْ يَفْرُغَ مِنْهُ بِالْعَجَلَةِ وَيَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ أَوْ يَسْتَرِيحَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْوَقْتِ كَيْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَفَسَدَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا صَحَّ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ وَلَا تَتَأَتَّى الزِّرَاعَةُ إلَّا بِالسَّقْيِ وَالْكِرَابِ فَكَانَ الْعَقْدُ مُقْتَضِيًا لَهُ فَلَا يَفْسُدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَثْنِيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا أَوْ يَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى لَا كَإِجَارَةِ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى) لِأَنَّ أَثَرَ التَّثْنِيَةِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَالسَّرْقَنَةِ يَبْقَى بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونُ فِيهِ نَفْعُ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَهُوَ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى بَعْدَ الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مُفْسِدٌ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِفِعْلِهِ أَثَرٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِأَنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ طَوِيلَةً أَوْ كَانَ الرِّيعُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ لَا يَفْسُدُ اشْتِرَاطُهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَرَاضِي مَا لَا يَخْرُجُ الرِّيعُ إلَّا بِالْكِرَابِ مِرَارًا وَبِالسَّرْقَنَةِ، وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى كَرْيِ الْجَدَاوِلِ وَلَا يَبْقَى أَثَرُهُ الْقَابِلُ عَادَةً بِخِلَافِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ يَبْقَى إلَى الْقَابِلِ عَادَةً وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ كَرْيُ الْأَنْهَارِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَتَنَاوَلُ الْأَنْهَارَ الْعِظَامَ دُونَ الْجَدَاوِلِ، وَاسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِيَزْرَعَهَا بِأَرْضٍ أُخْرَى لِيَزْرَعَهَا الْآخَرُ يَكُونُ بَيْعَ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَهُوَ حَرَامٌ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَا السُّكْنَى بِالسُّكْنَى أَوْ الرُّكُوبِ بِالرُّكُوبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِينَ كَتَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ بِقَوْلِهِ فِي جَوَابِهِ لَهُ فِي الْكِتَابِ إنَّك أَطَلْت الْفِكْرَةَ وَأَصَابَتْك الْحَيْرَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مِنْ الْكُوفَةِ إلَى بَغْدَادَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَاف اِ هـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك لِهَذَا الْعَمَلِ هَذَا الْيَوْمَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ قَالَ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا الْيَوْمَ جَعَلَ الْيَوْمَ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَإِذَا قَالَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَمْ يَجْعَلْ الْيَوْمَ مُدَّةً وَلَكِنْ جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا لِهَذَا الْعَمَلِ. اهـ.

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا) كَرَبْت الْأَرْضَ أَكْرُبُهَا كَرْبًا وَكِرَابًا إذَا أَثَرْتهَا لِلزَّرْعِ وَفِي الْمَثَلِ الْكِرَابُ عَلَى الْبَقَرِ أَيْ لَا تُكْرَى الْأَرْضُ إلَّا بِالْبَقَرِ يَعْنُونَ أَنَّ مُمَارَسَةَ كُلِّ أَمْرٍ جُرِّبَ بِآلَتِهِ، وَفِي لَفْظِ الْمَثَلِ خِلَافٌ يُعْرَفُ فِي الْمُسْتَقْصَى وَكَرْيُ النَّهْرِ حَفْرُهُ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ التَّثْنِيَةِ وَكَرْيَ الْأَنْهَارِ إلَخْ) وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ مَا كَانَ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَقُولُ إنَّمَا تُسْتَأْجَرُ الْأَرَاضِي لِمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ خَاصَّةً فَكُلُّ فِعْلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ خَاصَّةً كَالْكِرَابِ وَالزِّرَاعَةِ وَالسَّقْيِ يَكُونُ مُلَائِمًا لِلْعَقْدِ وَكُلُّ فِعْلٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُؤَجِّرُ خَاصَّةً يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْعَقْدِ مُفْسِدًا لَهُ كَشَرْطِ إبْقَاءِ السِّرْقِينِ وَرَدِّ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلَيْ التَّثْنِيَةِ وَتَكْرَارِ الْكِرَابِ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الْآخَرُ فِي التَّثْنِيَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا التَّثْنِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً عِنْدَ الْبَعْضِ وَأَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَصَارَ مُفْسِدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ.

(قَوْلُهُ لِمَ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ إلَخْ) قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي إجَارَةِ الدَّارِ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>