للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ حِنْطَةً بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ جِنْسِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ بِغَيْرِهِ فَلَا يُعَدُّ قَادِرًا فَفَسَدَ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِعَمَلِ الْأَجِيرِ الْعَمَلَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَتَكُونُ الْقُدْرَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْعَقْدِ قَائِمَةً بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْعَقْدِ وَالشَّرْطُ لَا يَصْلُحُ حُكْمًا فَكَذَا لَا يَصْلُحُ قَائِمًا بِهِ، فَإِذَا نَسَجَ أَوْ حَمَلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ نِصْفَ هَذَا الطَّعَامِ بِنِصْفِهِ الْآخَرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهِ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِّ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِّ وَمَنْ حَمَلَ طَعَامًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ شَيْئًا لِشَرِيكِهِ إلَّا وَيَقَعُ بَعْضُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ هَكَذَا قَالُوا، وَفِيهِ إشْكَالَانِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالصَّحِيحَةِ مِنْهَا بِالْعَقْدِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَكَيْفَ مَلَكَهُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّعْجِيلِ.

وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِّ قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ يُنَافِي فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ وَبِأَيِّ سَبَبٍ يَمْلِكُهُ وَكَانَ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَالنَّسَفِيُّ يُجِيزُونَ حَمْلَ الطَّعَامِ بِبَعْضِ الْمَحْمُولِ وَنَسْجَ الثَّوْبِ بِبَعْضِ الْمَنْسُوجِ لِتَعَامُلِ أَهْلِ بِلَادِهِمْ بِذَلِكَ، وَقَالُوا مَنْ لَمْ يُجَوِّزْهُ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَارُفِ، وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّ النَّصَّ يَتَنَاوَلُهُ دَلَالَةً فَالنَّصُّ يَخْتَصُّ بِالتَّعَامُلِ أَلَا نَرَى أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِيهِ وَخُصَّ عَنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ بِالتَّعَامُلِ وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَمْ يُجَوِّزُوا هَذَا التَّخْصِيصَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ لَا يُخَصُّ الْأَثَرُ بِخِلَافِ الِاسْتِصْنَاعِ فَإِنَّ التَّعَامُلَ بِهِ جَرَى فِي كُلِّ الْبِلَادِ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ وَيُخَصُّ الْأَثَرُ، وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ قَفِيزًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ مِنْ الْمَحْمُولِ أَوْ مِنْ الْمَطْحُونِ فَيَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ يُعْطِيه مِنْهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى مَا جَعَلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَحْمُولَ كُلَّهُ لِنَفْسِهِ وَشَرَطَ لَهُ الْأَجْرَ مِنْ الْمَحْمُولِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِذَا عَمِلَ الْأَجِيرُ اسْتَحَقَّ أَجْرَ الْمِثْلِ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْمَذْكُورَةِ وَمَتَى مَا جَعَلَ الْمَحْمُولَ بَعْضَهُ لَهُ وَالْبَعْضَ الْبَاقِيَ أُجْرَةً بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ

وَإِنْ حَمَلَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّهُ مَلَكهُ بِالْعَقْدِ وَفِي الْأَوَّلِ لَمْ يَمْلِكْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الِانْتِهَاءِ صَادَفَتْ مَحَلًّا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ إذَا عَمِلَ صَارَ شَرِيكًا، وَلَوْ وَقَعَ الْعَمَلُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فِي مَحَلٍّ مُشْتَرَكٍ كَمَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ لِطَحْنِ حِنْطَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّحَّانِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ أَصْلًا حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ فَإِذَا صَادَفَ مَحَلًّا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ ابْتِدَاءً وَمُشْتَرَكًا انْتِهَاءً لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ وَيَمْتَنِعُ وَصْفُ الصِّحَّةِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعَمَلِهِ مَجَّانًا فَإِذَا سَلَّمَ عَمَلَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْمُسَمَّى كَانَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَكِنْ لَا يُجَاوِزُ بِهِ قِيمَةَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الزِّيَادَةَ، وَفِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يُزَادُ عَلَى قِيمَةِ الْمُسَمَّى إلَّا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى بِأَنْ سَمَّى الْأَجْرَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْأَجِيرِ كَمَا لَوْ آجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَعْمُرَهَا وَيُؤَدِّيَ نَوَائِبَهَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ لَمْ يَعْمُرْهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَلَمْ يُؤَدِّ نَوَائِبَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُسَمَّى، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ لَا تَسْكُنَهَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ سَكَنَهَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَهَذَا أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى جَهَالَةِ الْمُسَمَّى فِي الْحَقِيقَةِ. كَذَا قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ، وَإِنَّمَا كَانَ الثَّوْبُ لِصَاحِبِ الْغَزْلِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَصْلِ وَأَمَّا مَشَايِخُ بَلْخٍ فَإِنَّمَا جَوَّزُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا بِذَلِكَ حَيْثُ احْتَاجُوا إلَيْهِ وَوَجَدُوا لَهُ نَظِيرًا وَهُوَ الْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا يُعْرَفُ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ جَعْلُ الْأَجْرِ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ يُعْرَفُ بِهِ حُكْمُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْصِرَ لَهُ قَفِيزَ سِمْسِمٍ بِمَنٍّ مِنْ دُهْنِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَ أَرْضَهُ لِيَغْرِسَ شَجَرًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ وَالشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الشَّجَرِ وَأَجْرُ مَا عَمِلَ كَذَا فِي الشَّامِلِ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَغْزِلَ هَذَا الْقُطْنَ أَوْ هَذَا الصُّوفَ بِرِطْلٍ مِنْ غَزْلِهِ، وَعَلَى هَذَا اجْتِنَاءُ الْقُطْنِ بِالنِّصْفِ وَدِيَاسُ الدُّخْنِ بِالنِّصْفِ وَحَصَادُ الْحِنْطَةِ بِالنِّصْفِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ اهـ.

(قَوْلُهُ فَكَيْفَ مَلَكَهُ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ) الْفَرْضُ أَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ وُجِدَ التَّسْلِيمُ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ مَلَكَهُ فِي الْحَالِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالنَّسَفِيُّ) هُوَ أَبُو عَلِيٍّ أُسْتَاذُ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ قَفِيزًا مُطْلَقًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ قَفِيزًا مِنْ الدَّقِيقِ الْجَيِّدِ وَلَا يَقُولُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ إذَا طَحَنَ يُعْطِيهِ صَاحِبُ الْحِنْطَةِ مِنْ الدَّقِيقِ إنْ شَاءَ فَيَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الثَّالِثِ وَهُوَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ رَجُلًا يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا مَعْلُومًا الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ بِدِرْهَمٍ خَيَّاطَةً أَوْ صِبَاغَةً أَوْ خُبْزًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُجِيزُهَا اسْتِحْسَانًا وَنَجْعَلُ الْإِجَارَةَ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ وَالْحَصْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>