للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي حَدِّهِمَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ وَاحِدٍ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ الْمُشْتَرَكُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ وَالْخَاصُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهَذَا يَئُولُ إلَى الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَالْخَاصَّ وَحُكْمُهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ أَشْخَاصٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً لِوَاحِدٍ فَمِنْ هَذِهِ الْوَجْهِ سُمِّيَ مُشْتَرَكًا وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ فِي الْمُدَّةِ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالْمَنَافِعِ، وَلِهَذَا يَبْقَى الْأَجْرُ مُسْتَحَقًّا، وَإِنْ نَقَصَ الْعَمَلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حَتَّى يَعْمَلَ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ) يَعْنِي ٤٥: الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا إذَا عَمِلَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فَمَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ الْعِوَضُ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ أَوْ أَثَرُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ) سَوَاءٌ هَلَكَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَالْغَارَةِ الْمُكَابِرَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَالَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا هَلَكَ بِأَمْرٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَعَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَيْبِ فَيَكُونُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ حِفْظًا سَلِيمًا عَنْ الْعَيْبِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ إلَّا بِالْحِفْظِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ الْقَصَّارُ وَالصَّبَّاغُ وَالْخَيَّاطُ وَالصَّائِغُ وَكُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِعَمَلِهِ دُونَ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِالْوَقْتِ دُونَ الْعَمَلِ وَذَلِكَ كَرَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ لِيُقَصِّرَ مَعَهُ أَوْ لِيَخِيطَ مَعَهُ أَوْ لِيَعْمَلَ عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ سَمَّاهُ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا كَذَا أَوْ كُلُّ يَوْمٍ بِكَذَا أَوْ كُلُّ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ كَذَا فَهَذَا هُوَ الْخَاصُّ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، وَأَجِيرُ الْوَحَدِ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنْ الْوَاحِدِ، وَفِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ الْعَقْدُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ لَا عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ وَالْعَقْدُ فِي أَجِيرِ الْوَحَدِ يَقَعُ عَلَى تَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ لَا عَلَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ. إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ عِنْدَنَا الْقَصَّارُ وَالْخَيَّاطُ وَالْإِسْكَافُ وَكُلُّ مَنْ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَأَجِيرُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ لِيَخْدُمَهُ شَهْرًا أَوْ لِيَخْرُجَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَنْتَهِي عَمَلُهُ بِانْتِهَاءِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَهُوَ أَجِيرٌ وَحَدٌ، وَكُلُّ مَنْ لَا يَنْتَهِي عَمَلُهُ بِانْتِهَاءِ مُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَهَى عَمَلُهُ بِمُدَّةٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا يَئُولُ إلَى الدَّوْرِ) الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْأَجَلِيِّ وَالْأَشْهَرُ أَوْ تَعْرِيفٌ لِمَا يُذْكَرُ بِمَا قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْأَجْرِ مَتَى يَسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِذَا سَلَّمَ إلَيْهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ هُوَ مَضِّ مُوَنٌ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ تَلِفَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ضَمِنَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ غَالِبٍ لَا يُتَحَفَّظُ مِنْ مِثْلِهِ مِثْلَ حَرِيقٍ غَالِبٍ أَوْ عَدُوٍّ مُكَابِرٍ أَوْ سَارِقٍ كَذَلِكَ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدُ الْأَجِيرِ يَدُ أَمَانَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عَنْهُ يَدُ ضَمَانٍ وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ أَنَّ يَدَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ يَدُ ضَمَانٍ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ لِلْعَمَلِ كَذَا فِي وَجِيزِهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا مَا رُوِيَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُضَمِّنُ الصُّنَّاعَ مَا أَفْسَدُوا مِنْ مَتَاعِ النَّاسِ أَوْ ضَاعَ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَرُوِيَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُضَمِّنُ الْخَيَّاطَ وَالْقَصَّارَ وَمِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الصُّنَّاعِ احْتِيَاطًا لِلنَّاسِ أَنْ يُضَيِّعُوا أَمْوَالَهُمْ، وَهَذَا كَانَ مِنْ رَأْيِهِ بَدِيًّا ثُمَّ رَجَعَ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) اخْتَلَفَ الْأَجِيرُ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ فَقَالَ الْأَجِيرُ رَدَدْت وَأَنْكَرَ صَاحِبُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عِنْدَهُ فِي الْقَبْضِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْأَجْرِ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ قَدْ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ عِنْدَهُمَا فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ بَدَائِعُ.

(فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ عِنْدَهُمَا إذَا ضَمَّنَهُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ مَقْصُورًا أَوْ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ الْعَمَلَ إلَى الْمَالِكِ وَحَدَثَتْ بِفِعْلِهِ زِيَادَةٌ فِي الثَّوْبِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَعَلَى الْأَجِيرِ ضَمَانُ الزِّيَادَةِ مَعَ الْأَصْلِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَلَمْ يَأْخُذْ أَجْرَ الْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ الْمَحَلُّ قَبْلَ وُصُولِ الْعَمَلِ إلَى يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَقِيقَةً فَأَشْبَهَ هَلَاكَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ مَتَى يَجِبُ الْأَجْرُ لِلْعَامِلِ، وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ بَابُ مَا يَضْمَنُ فِيهِ الْأَجِيرُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ هَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُؤْتَمَنٌ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ، وَكَذَا لَوْ سُرِقَ، وَكَذَا جَمِيعُ الْعُمَّالِ لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ جِنَايَةٌ. اهـ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ ثُمَّ عِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ الْمَالِكُ ضَمَّنَهُ مَقْصُورًا وَأَعْطَى الْأُجْرَةَ، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مَقْصُورٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ بِفِعْلِهِ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>