للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْعَقْدِ فَيُضْمَنُ بِالْهَلَاكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ بِأَجْرٍ وَكَمَا إذَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ الْعَارِيَّةُ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ االتَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهِ وَكَالْغَصْبِ مِنْ الْعَدُوِّ وَالْمُكَابَرَةِ

وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لَمَا اخْتَلَفَ الْحَالُ بَلْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَالْغَصْبِ وَالْقَبْضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، عَكْسُهُ الْوَدِيعَةُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ بَلْ الْعَمَلُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ تَبَعًا أَوْ اقْتِضَاءً لَا مَقْصُودًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَتَأَتَّى بِدُونِ حَبْسِ الْعَيْنِ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ إلَّا بِحَبْسِ الْعَيْنِ كَانَ لَهُ حَبْسُهُ، وَلِهَذَا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ لَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الْأَجْرِ فَصَارَ كَأَجِيرِ الْوَحَدِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مَقْصُودًا بِبَدَلٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أُتْلِفَ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ سَلِيمًا ضَمِنَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَوْجُودٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الزَّمَانِ بَلْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحِفْظَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ الْعَمَلُ إلَّا بِحِفْظِ الْعَيْنِ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا كَوُجُوبِهِ فَكَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ لَا يَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى الْيَوْمَ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَبِهِ تَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْعَقْدِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَفَسَدَتْ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَعَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُ فِيهِ مُفْسِدًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلْقِ الْحَمَّالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحِمْلُ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا مَضْمُونٌ)، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يُجَامِعُهُ الضَّمَانُ كَالْمُعِينِ لِلدَّقَّاقِ وَأَجِيرِ الْوَحَدِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عَمِلَ مَا عَمِلَ بِأَمْرِهِ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَنْتَظِمُ الْفِعْلَ بِنَوْعَيْهِ الْمَعِيبَ وَالسَّلِيمَ، وَالتَّخَرُّقُ لِضَعْفٍ فِي الثَّوْبِ وَلَئِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِي فِعْلِهِ فَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ إذْ الدَّقُّ الْمُصْلِحُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلَئِنْ كَانَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَصَارَ كَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ تِلْمِيذُ الْقَصَّارِ وَهُوَ يَعْمَلُ بِالْأَجْرِ وَلَنَا أَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِعَمَلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا كَمَا لَوْ دَقَّ الثَّوْبَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْإِذْنِ هُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْعَمَلُ الْمُصْلِحُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعُيُوبِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، فَإِذَا تَلِفَ كَانَ التَّلَفُ حَاصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا وَصَفَ لَهُ نَوْعًا مِنْ الدَّقِّ فَأَتَى بِنَوْعٍ آخَرَ بِخِلَافِ مُعِينِ الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَعَمَلُ الْمُتَبَرِّعِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالسَّلَامَةِ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِعَانَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَبِخِلَافِ الْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْعَمَلَ الْمُصْلِحَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الْعَمَلِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ إلَخْ) وَقَوْلُهُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَهَلَاكُ الْأَمَانَةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ أَثَرُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. غَايَةٌ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ شُرَيْحًا لَمْ يُضَمِّنْ أَجِيرًا قَطُّ. إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْآثَارِ وَكَانَ حُكْمُ شُرَيْحٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ حَتَّى انْكَسَرَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْقِ الْغَالِبِ وَالْغَرَقِ الْغَالِبِ، وَلَوْ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي زَحَمَ النَّاسَ حَتَّى انْكَسَرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَزَلَقَ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. بَدَائِعُ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا سَيَجِيءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْعَمَلِ الَّذِي يَأْخُذُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ فَيَضْمَنُ الْقَصَّارُ مَا تَخَرَّقَ مِنْ دَقِّهِ أَوْ مِنْ مَدِّهِ أَوْ مِنْ غَمْزِهِ أَوْ بَسْطِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّبَّاغُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَضْمَنُ أَيْضًا فِي طَبْخِ الثَّوْبِ إنْ كَانَ مِمَّا يُطْبَخُ، وَكَذَلِكَ الْمَلَّاحُ يَضْمَنُ مَا كَانَ مِنْ مُرِّهِ أَوْ حَذْفِهِ أَوْ مَا تُعَالَجُ بِهِ السَّفِينَةُ لِلسَّيْرِ، وَكَذَلِكَ الْحَمَّالُ إذَا سَقَطَ مَا حَمَلَهُ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ عَثَرَ فَسَقَطَ مَا مَعَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْحَمَّالُ وَالْمُكَارَى إذَا كَانَ مِنْ سَوْقِهِ أَوْ قَوْدِهِ أَوْ انْقَطَعَ الْحَبْلُ الَّذِي شَدَّهُ عَلَى الْمَتَاعِ فَسَقَطَ الْمَتَاعُ وَفَسَدَ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَضْمَنُونَ مَا يَفْسُدُ بِهِ الْمَتَاعُ مِنْ فَسَادٍ يَلْحَقُهُ مِنْهُ عِنْدَ حَمْلِهِ سَفِينَتَهُ أَوْ بِسَوْقِهِ لِدَابَّتِهِ أَوْ قَوْدِهِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ هُوَ مُؤْتَمَنٌ فِي ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى كَمَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ إذَا تَعَدَّى وَلَا يَضْمَنُ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ عَمَلِهِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ يَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدَاهُ اسْتِحْسَانًا أَوْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ بِأَجْرٍ فَدَقَّهُ دَقَّ الْمِثْلَ وَتَخَرَّقَ الثَّوْبُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْعَالِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ كَالْمُعِينِ لِلدَّقَّاقِ) أَيْ فَإِنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ لِمَا سَيَجِيءُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>