للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْطَ رَفْعِ الْبَذْرِ مُفْسِدٌ إجْمَاعًا فَجَوَّزْنَا الْمُعَامَلَةَ مَقْصُودًا وَلَمْ نُجَوِّزْ الْمُزَارَعَةَ إلَّا تَبَعًا فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَةِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ تَبَعًا لِبَيْعِ الْأَرْضِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَهَذَا مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِبَعْضِ الْأَشْجَارِ دُونَ بَعْضٍ وَلَا تَكُونُ الْمُزَارَعَةُ تَبَعًا لِلْمُعَامَلَةِ بِالرَّأْيِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ فَوَجَبَ إجْرَاؤُهَا عَلَى إطْلَاقِهَا، وَيَحْكِي نَصًّا أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي الْأَشْجَارِ وَالرِّطَابِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُولَةً فَجَازَ تَعْدِيَتُهَا إلَى مَا لَا نَصَّ فِيهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْخَصْمِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ مَعْلُولٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرَةٌ مُسَاقَاةً وَالثَّمَرَةُ تَزِيدُ بِالْعَمَلِ صَحَّتْ، وَإِنْ انْتَهَتْ لَا كَالْمُزَارَعَةِ) لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي فَلَوْ جَازَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَاسْتَحَقَّ بِلَا عَمَلٍ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِمَا قَبْلَ التَّنَاهِي؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ قَبْلَ التَّنَاهِي لِلْحَاجَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا حَاجَةَ إلَى مِثْلِهِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَكَذَا عَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الزَّرْعَ وَهُوَ بَقْلٌ جَازَ، وَإِنْ اسْتَحْصَدَ وَأَدْرَكَ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَالْمُزَارَعَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِذَا فَسَدَتْ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ)؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ كَالْمُزَارَعَةِ إذَا فَسَدَتْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ (كَالْمُزَارَعَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيهَا) فَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْخَارِجُ بُسْرٌ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَقُومُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الثَّمَرُ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ يَتَخَيَّرُ وَرَثَةُ الْآخَرِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَسِمُوا الْبُسْرَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ مِنْ الْبُسْرِ وَبَيْنَ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَفِي رُجُوعِهِمْ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ إشْكَالٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعُوا عَلَيْهِ بِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ وَكَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ أَوْ لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهُ كَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَيْهِ فَلَوْ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُؤْنَةَ بِحِصَّتِهِ فَقَطْ وَهَذَا خُلْفٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ بِلَا عَمَلٍ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ وَكَذَا هَذَا الْإِشْكَالُ وَارِدٌ فِي الْمُزَارَعَةِ أَيْضًا وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ أَنْ يَقُومُوا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَصْرِمُوهُ بُسْرًا كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَيْنَ الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَالْإِشْكَالُ الْوَارِدُ فِي الرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ وَأَرَادَ هُنَا أَيْضًا وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا فَالْخِيَارُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ وَهَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ الشَّافِعِيُّ بِأَنْ يَكُونَ الْأَثَرُ خَصَّ النَّخْلَ وَالْكَرْمَ وَلَكِنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ الْمُعَامَلَةُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ وَالْعِلَّةُ عَامَّةٌ فِي غَيْرِهِمَا فَتَجُوزُ فِي الرِّطَابِ وَالْبَاذِنْجَانِ أَيْضًا لِوُجُودِ الْحَاجَةِ فِيهِمَا. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ دَفَعَ نَخْلًا فِيهِ ثَمَرَةٌ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ نَخْلًا فِيهِ طَلْعٌ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا شَيْئًا فَهُوَ عَلَى الْمُعَامَلَةِ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِذَا بَلَغَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَقَدْ صَارَ بُسْرًا أَخْضَرَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَقَدْ صَارَ أَحْمَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهُ فَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ جَائِزَةٌ وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَإِذَا دَفَعَهُ وَقَدْ انْتَهَى عِظَمُهُ وَلَيْسَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْطُبْ فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ وَحَفِظَهُ حَتَّى صَارَ تَمْرًا فَجَمِيعُ التَّمْرِ لِصَاحِبِ النَّخْلِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا عَمِلَ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَجَمِيعُ الْفَاكِهَةِ فِي الْأَشْجَارِ يَدْفَعُهَا فَهُوَ كَمَا وَصَفْت لَك مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الِاسْتِحْصَادَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ بِبَعْضِهِ وَالْجَوَابُ فِيهِ مِثْلُ الْأَوَّلِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي بَابِ الْعُذْرِ فِي الْمُعَامَلَةِ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ نَخْلًا مُعَامَلَةً فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَقَامَ عَلَيْهِ وَلَقَّحَهُ حَتَّى إذَا صَارَ أَخْضَرَ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ الْمُعَامَلَةُ وَكَانَ الْبُسْرُ بَيْنَ وَرَثَةِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبَيْنَ الْعَامِلِ نِصْفَيْنِ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْتَقِضُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ لَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نُقِيمَ وَرَثَةَ صَاحِبِ الْأَرْضِ مَقَامَهُ وَيَبْقَى الْعَقْدُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ أَنَا آخُذُ نِصْفَ الْبُسْرِ فَالْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا صَرَمُوا الْبُسْرَ وَاقْتَسَمُوهُ وَإِنْ شَاءُوا أَعْطَوْهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْبُسْرِ وَإِنْ شَاءُوا أَنْفَقُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَيَرْجِعُونَ بِنِصْفِ نَفَقَتِهِمْ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرِ وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِ فِي الْمُزَارَعَةِ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْمُسَاقَاةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ الْتَزَمَ الْعَامِلُ الضَّرَرَ) أَيْ وَقَالَ أَنَا آخُذُ نِصْفَ الْبُسْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي رُجُوعِهِمْ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ) لَمْ يَقُلْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِيَرُدَّ مَا ذَكَرَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِجَمِيعِ مَا غَرِمُوا فِي نَصِيبِ الْمُزَارِعِ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَالشَّارِحُ اعْتَقَدَ أَنَّ مَعْنَاهُ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِمَّا غَرِمُوا أَيْ يَكُونُ جَمِيعُ مَا غَرِمُوا عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: إشْكَالٌ) فِي هَذَا الْإِشْكَالِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَا إشْكَالَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَصْلًا إنَّمَا الْإِشْكَالُ فِيمَا فَهِمَهُ هَذَا الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ عِبَارَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي حِصَّتِهِ أَيْ يَرْجِعُونَ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقُوا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَرْجِعُونَ بِحِصَّتِهِ اهـ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الْبُرْهَانِ الطَّرَابُلُسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا خِلَافَةٌ فِي حَقٍّ مَالِيٍّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>