للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحَّ وَعَقْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَإِرْثُهُ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَهُوَ آخِرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهَذَا الْوَلَاءِ أَصْلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] قِيلَ: إنَّهَا نَزَلَتْ نَاسِخَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ» وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ وَارِثٍ آخَرَ وَقَالَ لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ «هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ تُوجَدَ مِنْهُ مُوَالَاةٌ أُخْرَى أَوْ لَمْ تُوجَدْ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إذَا جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَأَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَإِنَّ وَلَاءَهُ لِمَنْ وَالَاهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ سَبَقَ لَهُ عَقْدٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ تَبَعًا لَهُمْ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ كَالْمُعْتَقِ وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا وَالْمُرَادُ بِهَا عَقْدُ الْمُوَالَاةِ نَقْلًا عَنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ.

وَمَا رَوَاهُ لَيْثٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا جَدَّدُوا عَقْدَ الْمُوَالَاةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَةِ وَبَيْنَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَمْرٍو وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - مِثْلَ مَذْهَبِنَا وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ وَبَيْتُ الْمَالِ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَلَا مُسْتَحِقٍّ وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِيهِ مَالٌ ضَائِعٌ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِلْغَيْبِ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ صَاحِبُهُ كَانَ تَصَرُّفُهُ أَوْلَى مِنْ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ كَمَا فِي حَالِ حَضْرَتِهِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] قُلْنَا: الَّذِي وَرَدَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ فِي حَقِّ التَّقْدِيمِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّمُونَهُ بِالْبَعْضِ عَلَى أُولِي الْأَرْحَامِ فَنُسِخَ ذَلِكَ التَّقْدِيمُ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ {أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] وَكَوْنُهُمْ أَوْلَى مِنْهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عِنْدَ عَدَمِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا سِيَّمَا فِي الْعَصَبَةِ ثُمَّ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ هُوَ أَوْلَى يُوجِبُ سُقُوطَ الْآخَرِ وَمَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ» الْمُرَادُ بِهِ الْحِلْفُ الَّذِي كَانُوا يَتَعَاقَدُونَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ هَدْمِي هَدْمُك وَدَمِي دَمُك تَرِثُنِي وَأَرِثُك فَكَانَ ذَلِكَ لِلتَّنَاصُرِ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلِتَقْدِيمِهِ بِالْإِرْثِ عَلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَخْ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بَاطِلٌ لَهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الْفَرْضُ أَوْ التَّعْصِيبُ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ لَيْسَ هَذَا وَلَا ذَاكَ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ) وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ الْإِيصَاءُ بِجَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي الثُّلُثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْإِسْلَامُ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ وَكَذَا الْإِسْلَامُ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِكَافٍ لِثُبُوتِ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الرَّوَافِضِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

لِمَا رَوَى رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ فَهُوَ مَوْلَاهُ يَرِثُهُ» «. وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَا أَظُنُّهُ مُتَّصِلًا وَلِأَنَّهُ أَحْيَاهُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَالْمَوْتَى فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَحْيَاهُ بِالْعِتْقِ، وَعَلَى هَذَا زَعَمَتْ الرَّوَافِضُ أَنَّ النَّاسَ مَوْلَى عَلِيٍّ وَأَوْلَادِهِ فَإِنَّ السَّيْفَ بِيَدِهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ أَسْلَمُوا مِنْ هَيْبَتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَحْيَاهُ بِالْإِسْلَامِ وَمَنْ عَرَضَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ فَيَكُونُ هُوَ كَغَيْرِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيْنَ لَهُمْ هَذَا التَّحَكُّمُ فَإِنَّ عَلِيًّا كَانَ صَغِيرًا حِينَ أَسْلَمَ كِبَارُ الصَّحَابَةِ بَلْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَا مُقَدَّمَيْنِ عَلَيْهِ فِي أُمُورِ الْقِتَالِ وَلَكِنَّ الرَّوَافِضُ قَوْمٌ بُهُتٌ وَبِنَاءُ مَذْهَبِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَمَا رَوَوْا مِنْ الْأَحَادِيثِ ضَعِيفٌ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ حِينَ سَأَلَ) السَّائِلُ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ) تَزْوِيجِهِ وَعَقْلِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَمَاتِهِ) الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَمِيرَاثِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ لَيْثٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقِيلَ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَلِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُوَالُونَ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَخَذَ الْمِيرَاثَ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ، وَصُورَةُ عَقْدِ الْوَلَاءِ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ مَوْلَايَ جِنَايَتِي عَلَيْك وَجِنَايَتُك عَلَيَّ وَمِيرَاثِي لَك إنْ مِتّ، فَإِذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ لِلْأَعْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى إلَّا إذَا شَرَطَ مِيرَاثَ الْأَعْلَى لِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَبِنَفْسِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْعَقِدُ لَهُ الْوَلَاءُ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ إنْ شَاءَ وَالَى مَعَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَإِنْ شَاءَ وَالَى مَعَ غَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانَ أَبُوهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ يَثْبُتُ وَلَاؤُهُ مِنْ مُعْتِقِهِ وَيَجُرُّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى نَفْسِهِ وَاللَّقِيطُ حُرٌّ وَجِنَايَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا أَدْرَكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَعَ مَنْ شَاءَ إلَّا إذَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ تَوْفِيقًا إلَخْ) فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «تَمِيمًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِينِي فَيُسْلِمُ عَلَى يَدَيَّ وَيُوَالِينِي فَقَالَ هُوَ أَخُوك وَمَوْلَاك فَأَنْتَ أَحَقُّ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» اهـ مِشْكَاةٌ (قَوْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ هَدْمِي هَدْمُك) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَالْهَدْمُ بِالسُّكُونِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا هُوَ إهْدَارُ دَمِ الْقَتِيلِ يُقَالُ دِمَاؤُهُمْ بَيْنَهُمْ هَدْمٌ أَيْ مُهْدَرَةٌ وَالْمَعْنَى إنْ طُلِبَ دَمُك فَقَدْ طُلِبَ دَمِي وَإِنْ أُهْدِرَ دَمُك فَقَدْ أُهْدِرَ دَمِي

<<  <  ج: ص:  >  >>