للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الْأَدَاءِ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ وَفِي الْوَلَاءِ حِينَ عَقَلَ قَوْمُ الْأُمِّ كَانَ ثَابِتًا لَهُمْ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِقَوْمِ الْأَبِ مُقْتَصَرًا عَلَى زَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْعِتْقُ مُقْتَصَرٌ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُونَ بِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَجَمِيٌّ تَزَوَّجَ مُعْتَقَةً فَوَلَدَتْ فَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ وَلَاءُ الْمُعَاقَدَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: حُكْمُ الْوَلَدِ حُكْمُ أَبِيهِ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِيمَا إذَا وَالَى أَحَدًا أَوْ لَمْ يُوَالِ، وَلَا يَكُونُ وَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ إلَى الْأَبِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ أَشْرَفَ لِكَوْنِهِ أَقْوَى فَكَذَا الْوَلَاءُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ حُرٌّ لَهُ عَشِيرَةٌ وَمَوَالٍ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ فَيُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أُمِّهِ حَتَّى يَعْتِقَ لِلتَّعَذُّرِ فَصَارَ كَمَنْ لَا أَبَ لَهُ وَكَمَا إذَا تَزَوَّجَ عَجَمِيٌّ بِعَرَبِيَّةٍ فَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدًا فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ قَوْمِ أُمِّهِ فَكَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا عَرَبِيَّةً أَوْ مُعْتَقَةً وَكَعَرَبِيٍّ تَزَوَّجَ مُعْتَقَةً فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا يُنْسَبُ إلَى قَوْمِهِ دُونَهَا فَكَذَا الْعَجَمِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَرَبِيِّ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ.

وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مُعْتَبَرٌ لِقُوَّتِهِ فِي نَفْسِهِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلِهَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ إذْ لَا يَفْتَخِرُونَ بِهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا افْتِخَارُ هُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِعِمَارَةِ الدُّنْيَا وَبَعْدَهُ بِالدِّينِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ سَيِّدُنَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ قِيلَ لَهُ سَلْمَانُ ابْنُ مَنْ قَالَ سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الضَّعْفُ فِي جَانِبِ الْأَبِ كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَالْعَبْدِ، وَكَذَا إنْ كَانَ لِلْأَبِ مَوْلَى مُوَالَاةٍ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ ضَعِيفٌ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَكَذَا حُرِّيَّتُهُمْ ضَعِيفَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بِالِاسْتِرْقَاقِ بِخِلَافِ الْعَرَبِيِّ فَإِنَّ لَهُ نَسَبًا مُعْتَبَرًا وَحُرِّيَّةً ثَابِتَةً فَامْتَنَعَ بِهِ نِسْبَةُ الْوَلَدِ إلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَجَمِيُّ عَرَبِيَّةً؛ لِأَنَّ أَوْلَادَهُ مِنْهَا لَوْ نُسِبُوا إلَى قَوْمِ أُمِّهِمْ لَنُسِبُوا إلَيْهِمْ بِالنَّسَبِ وَالنَّسَبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِمْ وَلَا عُصُوبَةَ بَيْنَهُمْ وَأَوْلَادُ الْمُعْتَقَةِ يُنْسَبُونَ إلَى قَوْمِ أُمِّهِمْ وَهُمْ عَصَبَتُهُمْ.

ثُمَّ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَضَعَ الْخِلَافَ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ وَوَضَعَهُ هُنَا فِي مُطْلَقِ الْمُعْتَقَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا فَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَجِبُ فِي الْجَمِيعِ نِسْبَةُ أَوْلَادِ الْمُعْتَقَةِ إلَى الْمُعْتِقِ مَا لَمْ يَكُنْ أَبُوهُمْ عَرَبِيًّا عَلَى مَا قَالُوا، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ وَتَرَكَ عَمَّةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمُعْتِقَ أُمِّهِ أَوْ عَصَبَةَ مُعْتِقِهَا كَانَ الْمَالُ لِمُعْتِقِ أُمِّهِ أَوْ عَصَبَتِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُونُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَبِيهِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُعْتَقَيْنِ أَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا وَالْأُمُّ مَوْلَى مُوَالَاةٍ أَوْ كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا وَالْأُمُّ مُعْتَقَةً كَانَ الْوَلَدُ تَبَعًا لِلْأَبِ وَكَذَا إذَا كَانَا، عَرَبِيَّيْنِ أَوْ عَجَمِيَّيْنِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَجَمِيًّا وَالْآخَرُ عَرَبِيًّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتِقُ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْعَصَبَةِ النِّسْبِيَّةِ) وَكَذَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ وَهُوَ آخِرُ الْعَصَبَاتِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ إنَّهُ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِلْمُعْتِقِ فِي مُعْتَقِهِ وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ» شَرَطَ لِإِرْثِهِ أَنْ لَا يَدَعَ وَارِثًا وَذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ وَكَذَا الرَّدُّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ يُسْتَحَقُّ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْكُلِّ، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِهِ وَمَا يُشْبِهُ الشَّيْءَ لَا يُزَاحِمُهُ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ بَلْ يَخْلُفُهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ بِنْتِ حَمْزَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَعَلَ لَهَا النِّصْفَ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ بِنْتِ مُعْتِقِهَا حِينَ مَاتَ عَنْهَا وَعَنْ بِنْتٍ فَهَذَا هُوَ التَّعْصِيبُ حَقِيقَةً فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ) يَعْنِي أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ كَانُوا مَجْبُورِينَ عَلَى أَدَاءِ الْعَقْلِ لَا مُتَبَرِّعِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أُجْبِرُوا عَلَى الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَاقِلَةً حِينَئِذٍ ظَاهِرًا، فَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ الْأَبِ بِالْإِكْذَابِ ثَبَتَ مِنْ زَمَانِ الْعُلُوقِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْمَ الْأُمِّ قَضَوْا دَيْنًا عَلَى غَيْرِهِمْ بِحُكْمِ الْقَاضِي فَيَرْجِعُونَ بِذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فُرُوعٌ) ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْجَدَّ هَلْ يَجُرُّ الْوَلَاءَ أَمْ لَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي قَالَ الشَّعْبِيُّ: إذَا أَعْتَقَ الْجَدُّ جَرَّ الْوَلَاءَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُرُّ الْجَدُّ الْوَلَاءَ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ كَذَا فِي الْكَافِي بَيَانُهُ أَنَّ مُعْتَقَةً لِقَوْمٍ تَزَوَّجَهَا عَبْدٌ وَحَصَلَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ يَكُونُ لِمَوْلَى أُمِّهِ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي أَبِيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ الْأَبُ وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَ الْجَدَّ لَمْ يَجُرَّ الْوَلَاءَ إلَى مَوَالِيهِ وَقَالَ الْإِمَامُ سِرَاجُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ لِفَرَائِضِهِ الْمَوْسُومِ بِالسِّرَاجِيِّ قَالَ شُرَيْحٌ وَسُفْيَانُ وَمَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ إنَّ الْجَدَّ يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِ الِابْنِ مِنْ مَوَالِي أُمِّهِ إلَى مَوَالِي نَفْسِهِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا فَالْجَدُّ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا يَجُرُّ الْوَلَاءَ، وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ وَشَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْجَدُّ يَجُرُّ الْوَلَاءَ لَهُمْ إنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ فَيَثْبُتُ مِنْ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي بَابِ النَّسَبِ وَلَنَا أَنَّ الْوَلَاءَ فَرْعُ النَّسَبِ وَتَابِعٌ لَهُ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْجَدِّ بِدُونِ ثُبُوتِهِ مِنْ الْأَبِ وَلِهَذَا إذَا ادَّعَى الْجَدُّ وَنَفَى الْأَبُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَتِهِ وَبِدَعْوَةِ الْأَبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَمِنْ الْجَدِّ تَبَعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>