للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ لِعَصَبَتِهِ الذُّكُورِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْإِرْثِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ وَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ لِانْتِقَالِ فِعْلِ الْوَصِيِّ إلَيْهِ وَكَذَا يَعْتِقُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُمْ لَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُ السَّائِبَةِ لَغْوٌ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا مِنْ زَوْجِهَا الْقِنِّ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاءُ الْحَمْلِ عَنْ مَوْلَى الْأُمِّ أَبَدًا)؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ عَتَقَ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَعَتَقَتْ أُمُّهُ مَقْصُودًا فَكَذَا هُوَ يَعْتِقُ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ وَالْمَوْلَى أَوْقَعَ الْإِعْتَاقَ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا مَقْصُودًا فَيَكُونُ لِلْجَنِينِ وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُعْتِقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَإِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْحَمْلِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعِتْقِ بِأَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ لِتَيَقُّنِنَا وَقْتَ الْعِتْقِ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْآخَرَ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعِتْقِ وَتَيَقَّنَّا أَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ حَمَلَتْ بِهِمَا جُمْلَةً لِعَدَمِ تَخَلُّلِ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا تَنَاوَلَ الْأَوَّلَ الْإِعْتَاقُ تَنَاوَلَ الْآخَرَ الْإِعْتَاقُ أَيْضًا ضَرُورَةً فَصَارَ مُعْتِقًا لَهُمَا وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُعْتِقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ)؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْؤُهَا فَيَتْبَعُهَا فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ) وَهُوَ الْأَبُ (جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ)؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْأُمِّ لَمْ يُعْتِقْ الْوَلَدَ هُنَا لِحُدُوثِهِ بَعْدَ إعْتَاقِهَا وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ الْوَلَدُ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِتَعَذُّرِ نِسْبَتِهِ إلَى الْأَبِ، فَإِذَا أَعْتَقَ الْأَبُ أَمْكَنَ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ فَجَعْلُهُ تَبَعًا لَهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ فَكَذَا الْوَلَاءُ فَيَنْتَقِلُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ إذَا زَالَ الْمَانِعُ كَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ ثُمَّ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْأَبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً، فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ عِتْقِ الْأُمِّ لِثُبُوتِ نِسْبَةِ الْعُلُوقِ إلَى مَا قَبْلَ الْعِتْقِ بَلْ قَبْلَ الْفِرَاقِ وَلِهَذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ فَصَادَفَهُ الْإِعْتَاقُ ضَرُورَةً فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ.

وَالْأَصْلُ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ فَوَلَدَتْ عَتَقَ الْوَلَدُ بِعِتْقِهَا فَإِذَا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ الْوَلَاءَ وَمَا رُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ أَبْصَرَ فِتْيَةً لُعْسًا بِخَيْبَرَ فَأَعْجَبَهُ ظُرْفُهُمْ وَأُمُّهُمْ مَوْلَاةٌ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبُوهُمْ عَبْدٌ لِبَعْضِ الْحُرْقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ أَوْ لِبَعْضِ أَشْجَعَ فَاشْتَرَى الزُّبَيْرُ أَبَاهُمْ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ قَالَ انْتَسِبُوا إلَيَّ وَقَالَ رَافِعٌ بَلْ هُمْ مُوَالِيَّ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ الْأُمِّ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَلَاءٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ وَلَاءٌ بِالْعِتْقِ جَرَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَيْهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا تَزَوَّجَتْ مُعْتَقَةٌ بِعَبْدٍ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَجَنَى الْأَوْلَادُ فَعَقْلُهُمْ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا تَبَعًا لِأُمِّهِمْ، وَلَا عَاقِلَةَ لِأَبِيهِمْ وَلَا مَوَالِيَ فَأُلْحِقُوا بِمَوَالِي الْأُمِّ ضَرُورَةً كَمَا فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ جَرَّ وَلَاءَ الْأَوْلَادِ إلَى نَفْسِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ بِمَا عَقَلُوا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ إذَا عَقَلَ عَنْهُ قَوْمُ الْأُمِّ ثُمَّ أَكْذَبَ الْمَلَاعِنُ نَفْسَهُ حَيْثُ يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ لَا مِنْ وَقْتِ الْإِكْذَابِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ وَلَدَ الشَّخْصِ فِي وَقْتٍ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ وَلَدًا لِغَيْرِهِ وَبِالْإِكْذَابِ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ عَقْلَهُ كَانَ عَلَى قَوْمِ أَبِيهِ وَقَدْ أَجْبَرَ قَوْمٌ الْأُمَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَيَكُونُ لِعَصَبَتِهِ الذُّكُورِ) أَيْ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ كَمَا يَأْتِي فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْفَصْلِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَشَرْطُ سَائِبَةٍ لَغْوٌ) قَالَ الْخِرَقِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بَعْدَ عِتْقِهَا) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُتُونِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ») لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَسَّرَ فِي الْجَمْهَرَةِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ اللُّحْمَةَ بِالْقَرَابَةِ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ أَيْ تَشَابُكٌ وَوُصْلَةٌ كَوُصْلَةِ النَّسَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إلَخْ) هَذَا الْأَثَرُ الَّذِي عَنْ عُمَرَ ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ فَقَالَ لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ فَوَلَدَتْ عَنَقَ الْوَلَدُ بِعِتْقِهَا فَإِذَا أَعْتَقَ أَبُوهُمْ جَرَّ الْوَلَاءَ اهـ.

(قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ) كَتَبَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي نُسْخَتِهِ عَلَى الْهَامِشِ بِإِزَاءِ قَوْلِهِ الْحُرَّةُ الْأَمَةُ وَكَتَبَ فَوْقَهَا ظَاءً وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ وَلَفْظُ عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ الْحُرَّةُ كَمَا نَقَلْته فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ نَقْلًا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَعَلَّ مَنْشَأَ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ الْأَمَةُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ عِتْقٍ بِعِتْقِهَا فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْأُمَّ حَدَثَ فِيهَا عِتْقٌ لَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ تَابِعَةٌ لِحُرِّيَّةِ الْأُمِّ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ حُرَّةً كَانَ وَلَدُهَا كَذَلِكَ تَبَعًا لَهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْحُرَّةُ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ الْحُرَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ أَبْصَرَ) أَيْ بِحُنَيْنٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَبُوهُمْ عَبْدٌ لِبَعْضِ الْحُرَقَةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ لَقَبٌ لِبَطْنٍ مِنْ جُهَيْنَةَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>