مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ عَمْدًا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْعَفْوِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَهِيَ دَارِئَةٌ لِلْقَوَدِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَفْوَ إلَى حَقِّهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَذَلِكَ يَكْفِي لِدَرْءِ الْقِصَاصِ لَا لِسُقُوطِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّارِيَ نَوْعٌ مِنْ الْقَطْعِ وَأَنَّ السِّرَايَةَ صِفَةٌ لَهُ، بَلْ السَّارِي قَتْلٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ بِالسِّرَايَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجِنَايَاتِ مَآلُهَا لِمَا أَنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، ثُمَّ يَصِيرُ مُوجِبًا لَهُ بِالسِّرَايَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، ثُمَّ يَصِيرُ غَيْرَ مُوجِبٍ لَهُ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْمِفْصَلِ فَسَرَى إلَى نِصْفِ السَّاعِدِ وَبِاعْتِبَارِ الْمَآلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْيَدِ وَلِهَذَا لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْيَدِ بَعْدَ السِّرَايَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ السَّارِي نَوْعًا لَهُ لَصَحَّ لِإِمْكَانِ الصَّرْفِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ الْأَوَّلَ لَا يُوجِبُ قَطْعًا سَارِيًا وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ فَقَطْ إنْ كَانَ مُقْتَصِرًا أَوْ الْقَتْلَ فَقَطْ إنْ كَانَ سَارِيًا فَلَا مُوجِبَ لِلْقَطْعِ السَّارِي فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَيْسَ بِاسْمٍ لِلْقَتْلِ وَلَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ السَّارِي عَلَى الْجَانِي حَتَّى يُسْتَعَارَ لَهُ فَلَغَا بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصِرَ وَالْقَتْلَ ابْتِدَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا جِنَايَةَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ أَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَا قَطْعَ لِي عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا صَرِيحٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ السِّرَايَةِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْإِذْنِ بِالْقَطْعِ فَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْ الْقَاطِعِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَهُ بِأَمْرِهِ انْتَقَلَ الْفِعْلُ إلَيْهِ فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَ نَفْسِهِ فَمَاتَ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ لَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْقَاطِعِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ فَكَأَنَّ هَذَا شَاهِدٌ لِأَبِي حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا تَرَاهُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَصْبِ فَلِأَنَّ الْغَصْبَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ أَوْ قِيمَتِهِ فَجَازَ اسْتِعَارَتُهُ عَلَى الْمُسَبَّبِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْقَطْعِ عَلَى عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمَقْطُوعُ حَيْثُ لَا يُنْتَقَضُ الصُّلْحُ، وَلَوْ لَمْ يَتَنَاوَلْ السَّارِيَ لَانْتَقَضَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا أَعْتَقَهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْإِمْضَاءِ فَتَضَمَّنَ إعْتَاقُهُ نَقْضَ الصُّلْحِ الْأَوَّلِ وَالتَّحَوُّلَ إلَى الصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً فَهُوَ كَالْعَمْدِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ حَتَّى إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ الْيَدِ كَانَ عَفْوًا عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ عِنْدَهُمَا، وَعَنْ دِيَةِ الْيَدِ فَقَطْ عِنْدَهُ، وَلَوْ قَالَ عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ كَانَ عَفْوًا عَنْ دِيَةِ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى إذَا مَاتَ مِنْهُ يَسْقُطُ كُلُّ الدِّيَةِ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْمَالُ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَمْدًا حَيْثُ يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَعَارَ أَرْضَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَانْتَفَعَ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعِيرُ حَيْثُ يُنَفَّذُ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِهَا فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى يَدِهِ، ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا لَوْ خَطَأً)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ فَكَذَا التَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ أَوْ عَلَى الْقَطْعِ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا فَهَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ مِنْ نَفْسِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُقَالُ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الطَّرَفِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْعَمْدِ الْقِصَاصُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْعَفْوَ لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ، فَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلٌ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ وَذَلِكَ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ عَمْدًا وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْيَدِ) أَيْ قَطَعَ يَدَهُ فَمَاتَ فَعَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَنْ مُوجِبِ الْيَدِ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَجَازَ اسْتِعَارَتُهُ عَلَى الْمُسَبَّبِ) يَعْنِي لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ) وَيَكُونُ هَذَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ الْقَاتِلَ وَاحِدًا مِنْ الْعَاقِلَةِ، أَمَّا مَنْ جَعَلَهُ وَاحِدًا مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ فَلَا تَصِحُّ قَالُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَإِنْ حَصَلَتْ لِلْقَاتِلِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَصِحَّ فِي الِابْتِدَاءِ صَحَّتْ فِي الِانْتِهَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَطَلَتْ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ كُلُّهَا وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَوْصَى لِمَنْ تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَلِمَنْ لَا تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ صَارَ كُلُّهَا لِمَنْ تَصِحُّ لَهُ الْوَصِيَّةُ كَمَنْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْحَيِّ تَصْحِيحًا لِلْوَصِيَّةِ فَهُنَا إذَا لَمْ تَصِحَّ لِلْقَاتِلِ تَعُودُ إلَى الْعَاقِلَةِ فَتَسْقُطُ عَنْ الْعَاقِلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ. اهـ. غَايَةٌ سَيَأْتِي مَعْنَى هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ لَكِنَّنِي بَادَرْت بِكِتَابَتِهَا ظَنًّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ) وَإِنَّمَا يُحْجَرُ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُ الْقَاتِلِ فِيهِ سَوَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute