للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا فَلَا يَلْحَقُ بِهَا

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَا دِيَتَهَا) أَيْ ضَمِنَ الْقَاطِعَانِ دِيَةَ الْمَقْطُوعَةِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّبُعُ فَيَجِبُ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَطَعَ وَاحِدٌ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ فَلَهُمَا قَطْعُ يَمِينِهِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ) يَعْنِي إذَا حَضَرَا مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ قَطَعَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ يُقْطَعُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْيَدِ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ قِصَاصًا فَمَنَعَ اسْتِحْقَاقَهَا الثَّانِي بِالْقَطْعِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ، ثُمَّ رَهَنَهُ مِنْ آخَرَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعًا يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَالْأَرْشُ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ لَا تَفِي بِالْحَقَّيْنِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهَا مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْقُرْعَةِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ تُوجِبُ الْمُسَاوَاةَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْقَطْعُ وَكَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يَمْتَنِعُ بِالْأَوَّلِ لَمَا شَارَكَهُ الثَّانِي بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَثْبُتُ لِلثَّانِي بَعْدَ مَا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً؛ وَلِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ حَقُّهُ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ حَتَّى يَحْسِبَهُ بِحَقِّهِ وَيَكُونُ خَصْمًا فِيهِ إذَا اُسْتُهْلِكَ وَيَقْبِضُ بَدَلَهُ، فَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ تَصَرُّفًا يُفْضِي إلَى قَطْعِ الْيَدِ، وَالْمَحَلُّ خَالٍ عَنْ حَقِّهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلِهَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يُطَالَبُ الْقَاطِعُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ حَقُّهُ ثَابِتًا فِيهَا لَطَالَبَهُ بِهِ كَالْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الْأَوَّلُ ثُبُوتَ حَقِّ الثَّانِي فِيهَا اسْتَوَيَا فِيهَا فَيُقْطَعُ لَهُمَا إذَا حَضَرَا مَعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيُقْضَى لَهُمَا بِنِصْفِ الدِّيَةِ يَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ حَيْثُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَتْلِ لَهُمَا وَلَا يُقْضَى لَهُمَا بِالدِّيَةِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْفَرْقِ فِيمَا تَقَدَّمَ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ حَضَرَ وَاحِدٌ فَقُطِعَ يَدُهُ لَهُ فَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِيَقِينٍ، وَحَقُّ الْآخَرِ مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ صُلْحًا فَصَارَ كَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ إذَا حَضَرَ وَالْآخَرُ غَائِبٌ حَيْثُ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ فِي الْكُلِّ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْآخَرُ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُهُ لِلْحَاضِرِ وَطَلَبَ يُقْضَى لَهُ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ أَوْفَى بِهَا حَقًّا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيَضْمَنُهَا لِسَلَامَتِهَا لَهُ، وَلَوْ قُضِيَ بِالْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدِّيَةِ فَلِلْآخَرِ الْقَوَدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ بِالْقَضَاءِ أَثْبَتَ الشِّرْكَةَ بَيْنَهُمَا فَعَادَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْبَعْضِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْآخَرُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ فَالْعَفْوُ قَبْلَهُ كَالْعَفْوِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَ الْقَاطِعِ مِنْ الْمِرْفَقِ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِذَهَابِ الْيَدِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ بِالْقَطْعِ ظُلْمًا وَلَا يَنْقَلِبُ مَالًا كَمَا إذَا قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ قَطْعِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ ظُلْمًا، ثُمَّ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ ذِرَاعَ الْقَاطِعِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دِيَةَ الْيَدِ وَحُكُومَةَ عَدْلٍ فِي قَطْعِ الذِّرَاعِ إلَى الْمِرْفَقِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْقَاطِعِ كَانَتْ مَقْطُوعَةً مِنْ الْكَفِّ حِينَ قَطَعَ الْقَاطِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمِرْفَقِ فَكَانَتْ كَالشَّلَّاءِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَاحِدًا فَقُطِعَ الْقَاطِعُ مِنْ الْمِرْفَقِ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلِلْمَقْطُوعِ مِنْ الْمِرْفَقِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَطَعَ مِنْ الْمِرْفَقِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ لِمَا ذَكَرْنَا

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِقَتْلِ عَمْدٍ يُقْتَصُّ بِهِ)، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ بِالْمَالِ وَلَنَا أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي مِثْلِهِ لِكَوْنِهِ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِهِ فَيَصِحُّ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ عَمَلًا بِالْآدَمِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا صَحَّ لَزِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ حَقِّ الْمُوَلَّى ضَرُورَةً وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ قَصْدًا بِخِلَافِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَالطَّرَفُ لَيْسَ مِثْلَهَا فَلَا يَلْحَقُ بِهَا) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ كَمَا تُقْتَلُ الْأَنْفُسُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ نَقُولَ الْقِيَاسُ كَذَلِكَ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَالْمَخْصُوصُ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَطْعُ الطَّرَفِ لَيْسَ فِي مَعْنَى قَتْلِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بالتجزي؛ لِأَنَّهُ إبَانَةُ الْعُضْوِ فَجَازَ أَنْ يُقْطَعَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ إزْهَاقُ الرُّوحِ وَأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يُطَالِبُ) بِأَنْ قَطَعَهَا شَخْصٌ آخَرُ لَا يَكُونُ لِلْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ مَنْ قَطَعَ يَدَ قَاطِعِهِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ إلَخْ) وَقَوْلُ زُفَرَ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>