للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ.

وَنَظِيرُهُ الِاسْتِيَامُ وَحَفْرُ الْمَعْدِنِ، وَإِنْ حَفَرَ لَهَا بِئْرًا فَهُوَ تَحْجِيرٌ، وَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَكَذَا إذَا جَعَلَ الشَّوْكَ حَوْلَهَا، وَلَوْ كَرَبَهَا أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ أَوْ شَقَّ لَهَا نَهْرًا فَهُوَ إحْيَاءٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ كَرَبَهَا وَسَقَاهَا فَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إحْيَاءٌ، وَلَوْ فَعَلَ أَحَدَهُمَا يَكُونُ تَحْجِيرًا، وَلَوْ سَقَاهَا مَعَ حَفْرِ الْأَنْهَارِ كَانَ إحْيَاءً لِوُجُودِ الْفِعْلَيْنِ، وَلَوْ حَوَّطَهَا وَسَنَّمَهَا بِحَيْثُ يَعْصِمُ الْمَاءَ يَكُونُ إحْيَاءً؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا إذَا بَذَرَهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ) لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مَا لَا غِنَى لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ كَالْمِلْحِ وَالْآبَارِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا الْمَاءُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا»؛ وَلِأَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْبِئْرِ إلَّا بِمَا حَوْلَهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقِفَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ الْمَاءَ، وَإِلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ مَا يُرَكِّبُ عَلَيْهِ الْبَكَرَةَ، وَإِلَى أَنْ يَبْنِيَ حَوْضًا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَإِلَى مَوْضِعٍ تَقِفُ فِيهِ مَوَاشِيهِ حَالَةَ الشُّرْبِ وَبَعْدَهُ فَقَدَّرَهُ الشَّرْعُ بِأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا ثُمَّ قِيلَ الْأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَجْمَعُ الْجَوَانِبَ الْأَرْبَعَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُ كَيْ لَا يَحْفِرَ آخَرُ بِئْرًا بِجَانِبِهَا فَيَتَحَوَّلُ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ، وَلَا يَنْدَفِعُ هَذَا الضَّرَرُ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.

فَيُقَدَّرُ بِأَرْبَعِينَ كَيْ لَا تَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ الْمَصَالِحُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ لِلْعَطَنِ أَوْ لِلنَّاضِحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ لِلْعَطَنِ فَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. وَإِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا»؛ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَحَاجَةُ بِئْرِ النَّاضِحِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَوْضِعٍ يَسِيرُ فِيهِ النَّاضِحُ، وَهُوَ الْبَعِيرُ، وَقَدْ يَطُولُ الرِّشَاءُ، وَفِي بِئْرِ الْعَطَنِ يَسْتَقِي بِيَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَلَهُ مَا رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْعَامَّ الْمُتَّفَقَ عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ يُرَجَّحُ عَلَى الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَلِهَذَا رَجَحَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، وَعَلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَرَجَّحَ أَصْحَابُنَا كُلُّهُمْ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ عَلَى خَبَرِ الْعَرَايَا».

وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْبِئْرُ لِلْعَطَنِ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذِكْرُ الْعَطَنِ فِيهِ لِلتَّغْلِيبِ لَا لِلتَّقْيِيدِ بِهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الِاشْتِغَالِ وَالْمَنَافِعِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْأَكْلِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا؛ وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِاعْتِبَارِ عَمَلِهِ، وَعَمَلُهُ فِي مَوْضِعِ الْبِئْرِ خَاصَّةً فَلَا يَسْتَحِقُّ فِيمَا وَرَاءَهُ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالنَّصِّ فَبِقَدْرِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْآثَارُ يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَقِي مِنْ بِئْرِ الْعَطَنِ بِالنَّاضِحِ، وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ بِالْيَدِ فَاسْتَوَتْ الْحَاجَةُ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدِيرَ الْبَعِيرَ حَوْلَ الْبِئْرِ، وَلَا يَحْتَاجَ إلَى الزِّيَادَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةٍ) أَيْ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ، وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي إلَيْهِ، وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الْمَزْرَعَةِ فَقَدَّرَهُ الشَّارِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي الْمَقَادِيرِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ قِيلَ هُوَ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ، وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ الِاسْتِيَامُ) أَيْ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَلَوْ فَعَلَ يَجُوزُ الْعَقْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ) وَالْمُسَنَّاةُ مَا تُبْنَى لِلسَّيْلِ لِتَرُدَّ الْمَاءَ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا) التَّحْقِيقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ أَوَّلَ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا قَالُوا إلَخْ) هَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَالتَّقْدِيرُ بِأَرْبَعِينَ فِي دِيَارِهِمْ؛ لِأَنَّ أَرَاضِيَهُمْ صَلْبَةٌ أَمَّا أَرَاضِيُنَا رَخْوَةٌ فَيُزَادُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مَتَى احْتَاجَ إلَيْهِ حَتَّى لَا تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَةُ بِئْرِهِ لَعَلَّ يُحْيِيَ آخَرَ فَيُحْيِيَ بِئْرًا فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ فَيَتَحَوَّلُ الْمَاءُ إلَيْهِ لِرِخْوِهِ. اهـ.، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْعَطَنِ فِي أَرْضٍ مَيِّتَةٍ فَمِلْكُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يَمْلِكُهَا فَلَهُ حَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْلُ يَتَجَاوَزُ أَرْبَعِينَ فَيَكُونُ لَهُ إلَى مَا يَتَنَاهَى إلَيْهِ الْحَبْلُ، وَإِنْ كَانَ بِئْرٌ نَاضِحٌ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْلُ يَتَجَاوَزُ السِّتِّينَ فَيَكُونُ لَهُ إلَى مُنْتَهَى حَبْلِهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ. اهـ.، وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَهُ حَرِيمُهَا مَا نَصُّهُ حَرِيمُ الْبِئْرِ نَوَاحِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْعَطَنُ وَالْمَعْطَنُ مُنَاخُ الْإِبِلِ، وَمَبْرَكُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: شَفِيرُ الْبِئْرِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَشَفِيرُ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ حَرْفُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبِئْرُ لِلْعَطَنِ أَوْ لِلنَّاضِحِ) وَالْمُرَادُ مِنْ بِئْرِ الْعَطَنِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا بِالْيَدِ، وَمِنْ بِئْرِ النَّاضِحِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا بِالْبَعِيرِ كَذَا قَالُوا. اهـ غَايَةٌ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ قَرِيبًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>