للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالذِّرَاعُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ، وَهُوَ سِتُّ قَبَضَاتٍ، وَكَانَ ذِرَاعُ الْمِلْكِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَكُسِرَ مِنْهُ قَبْضَةٌ، وَفِي الْكَافِي قِيلَ إنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ بِمَا ذَكَرْنَا لِصَلَابَتِهَا، وَفِي أَرَاضِيِنَا يُزَادُ لِرَخَاوَتِهَا لِئَلَّا يَتَحَوَّلَ الْمَاءُ إلَى الثَّانِيَةِ فَتَتَعَطَّلُ الْأُولَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَمَنْ حَفَرَ فِي حَرِيمِهَا مُنِعَ مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْبِئْرِ ضَرُورَةَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَكَانَ الْحَافِرُ مُتَعَدِّيًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِذَا حَفَرَ رَجُلٌ فِي حَرِيمِهِ كَانَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَكْبِسَهُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَيُزِيلَ تَعَدِّيَهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّانِي بِحَفْرِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ بِالْحَفْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُؤَاخِذُهُ بِهِ قِيلَ بِكَبْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ تَعَدِّيهِ كَمَا إذَا وَضَعَ شَيْئًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ يُضَمِّنَّهُ النُّقْصَانَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْكَبْسَ بَلْ يَكْبِسُهُ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُؤَاخِذَهُ بِقِيمَتِهِ لَا بِبِنَاءِ الْجِدَارِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الْأُولَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي حَفْرِهَا أَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيَجْعَلُ الْحَفْرَ تَحْجِيرًا، وَلَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِحَفْرِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَوْ حَفَرَ الثَّانِي بِئْرًا فِي مُنْتَهَى حَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى، وَتَحَوَّلَ إلَى الثَّانِيَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي فِعْلِهِ وَالْمَاءُ تَحْتَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْمُخَاصَمَةُ بِسَبَبِهِ كَمَنْ بَنَى حَانُوتًا بِجَنْبِ حَانُوتِ غَيْرِهِ فَكَسَدَ الْأَوَّلُ بِسَبَبِهِ وَلِلثَّانِي الْحَرِيمُ مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ دُونَ الْجَانِبِ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ مِلْكِ الْأَوَّلِ فِيهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلِلْقَنَاةِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) الْقَنَاةُ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُقَدَّرْ حَرِيمُهُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَالذِّرَاعُ هِيَ الْمُكَسَّرَةُ) أَيْ، وَهِيَ ذِرَاعُ الْعَامَّةِ، وَهِيَ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ أَقْصَرُ مِنْ ذِرَاعِ الْمِسَاحَةِ الَّتِي هِيَ ذِرَاعُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ مَعَ ارْتِفَاعِ الْإِبْهَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَذِرَاعَ الْكِرْبَاسِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ بِدُونِ ارْتِفَاعِ الْإِبْهَامِ، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ خُوَاهَرْزَادَهْ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارَ ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا أَلْيَقُ بِالْمَمْسُوحَاتِ هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا ذِرَاعَ الْمِسَاحَةِ، وَلَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْمِسَاحَةِ ذَكَرُوا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ الذِّرَاعَ هِيَ الْهَاشِمِيَّةُ، وَهِيَ ثَمَانُ قَبَضَاتٍ وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتِ بُطُونُ بَعْضِهَا مُلَاصِقَةٌ لِظُهُورِ بَعْضٍ وَالشُّعَيْرَةُ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فِي الْبِئْرِ وَالْخَمْسِمِائَةِ فِي الْعَيْنِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا حَفَرَ رَجُلٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَلَوْ احْتَفَرَ آخَرُ بِئْرًا فِي حَرِيمِ الْأَوَّلِ فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَكْبِسَهَا تَبَرُّعًا، وَيُصْلِحَ مَا أَفْسَدَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ أَرَادَ مُؤَاخَذَةَ الثَّانِي بِذَلِكَ فَلَهُ ذَلِكَ لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ يُؤْمَرُ الْحَافِرُ الثَّانِي بِكَبْسِ بِئْرٍ حَفَرَهَا إزَالَةً لِجِنَايَةِ حَفْرِهِ كَمَا إذَا أَلْقَى كُنَاسَةً فِي أَرْضِ غَيْرِهِ تَعَدِّيًا يُؤْمَرُ بِرَفْعِهَا، وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ كَمَا يَكْبِسُهُ بِنَفْسِهِ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِلَا حَفْرٍ، وَمَعَ الْحَفْرِ فَيُضَمِّنُهُ نُقْصَانَ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ حَيْثُ يُضَمِّنُهُ نُقْصَانَ الْهَدْمِ ثُمَّ يَبْنِيهِ بِنَفْسِهِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، وَلَفْظُ الْخَصَّافِ فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ حَفَرَ فِي أَرْضِهِ حُفْرَةً أَضَرَّ ذَلِكَ بِحَفْرِهِ أَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ النُّقْصَانُ فِي ذَلِكَ، وَيَسْتَحْلِفُهُ الْقَاضِي عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك الَّذِي ادَّعَاهُ، وَهُوَ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يُحَلِّفُهُ عَلَى السَّبَبِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْخَصَّافِ ثُمَّ لَا ضَمَانَ فِيمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الْأُولَى سَوَاءٌ أَحْيَاهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلِهَذَا مَلَكَ الْبِئْرَ فِي الْحَالَيْنِ فَإِذَا كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْحَفْرِ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْ حَفْرِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ، وَكَذَلِكَ لَا إشْكَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ حَفَرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا كَانَ حَفَرَهَا بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِهِ وَحَلُّهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْجِيرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْإِحْيَاءُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيُجْعَلُ حَفْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ تَحْجِيرًا لَا إحْيَاءً فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَمَا عَطِبَ فِي الْبِئْرِ الثَّانِي يَضْمَنُهُ هُوَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا الْحَفْرِ فَإِنَّهُ حَفَرَ فِي مِلْكِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَفَرَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ لِبُرْهَانِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ فَيُقَوَّمُ جِدَارُهُ مَعَ جُدْرَانِهَا، وَيُقَوَّمُ بِدُونِ هَذَا الْجِدَارِ فَيَضْمَنُ فَصْلَ مَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ رَقَمَ لِلْأَجْنَاسِ، وَقَالَ هَدَمَ حَائِطَ مَسْجِدٍ يُؤْمَرُ بِتَسْوِيَتِهِ، وَإِصْلَاحِهِ، وَفِي حَائِطِ الدَّارِ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ إنْ هَدَمَ حَائِطًا مُتَّخَذًا مِنْ خَشَبٍ أَوْ عَتِيقًا مِنْ رَهْصٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ كَمَا كَانَ وَفِي دُرَرِ الْفِقْهِ يُؤَاخَذُ فِي هَدْمِ الْحَائِطِ بِالْبِنَاءِ لَا بِالنُّقْصَانِ ثُمَّ رَقَمَ لِلْمُحِيطِ، وَقَالَ يُؤَاخَذُ بِالْقِيمَةِ، وَقِيلَ بِالْبِنَاءِ. اهـ. قَالَ الْإِمَامُ قَاضِيخَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كُتُبِ الْحَظْرِ مِنْ فَتَاوَاهُ رَجُلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي فِنَاءِ قَوْمٍ رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَسْوِيَتِهِ، وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَلَوْ هَدَمَ حَائِطَ الْمَسْجِدِ كَذَلِكَ أُمِرَ بِتَسْوِيَتِهِ، وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَلَوْ هَدَمَ حَائِطًا لِدَارِ رَجُلٍ مِلْكًا لَهُ أَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْوِيَةِ، وَلَا بِبِنَاءِ الْحَائِطِ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ وَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْحَائِطِ وَالنَّقْضُ لِلضَّامِنِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ النَّقْضَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنْ كَانَ الْحَائِطُ جَدِيدًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ خَلَقًا عَتِيقًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ لَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَضَمَانُ الْعُدْوَانِ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ. اهـ أُسْرُوشَنِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلِلْقَنَاةِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ) يَعْنِي إذَا أَخْرَجَ قَنَاةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فَلَهَا مِنْ الْحَرِيمِ مَا لِلْبِئْرِ كَذَا قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ الْقَنَاةُ لَهَا حَرِيمٌ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الشَّرْعِ، وَقَالَ الْمَشَايِخُ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>