للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبِئْرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ، وَقِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا حَرِيمَ لَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا نَهْرٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَتُعْتَبَرُ بِالنَّهْرِ قَالُوا عِنْدَ ظُهُورِ الْمَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ فَوَّارَةٍ فَيُقَدَّرُ حَرِيمُهَا بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ شَجَرٍ يُغْرَسُ فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ حَتَّى لَا يَمْلِكَ غَيْرُهُ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرًا فِي حَرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَرِيمِ لِجُذَاذِ ثَمَرِهِ وَلِلْوَضْعِ فِيهِ وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ فَجَاءَ آخَرُ فَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرَةً أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَاخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْحَرِيمِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ، وَأَطْلَقَ لِلْآخَرِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ».

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا عَدَلَ عَنْهُ الْفُرَاتُ، وَلَمْ يَحْتَمِلْ عَوْدَهُ إلَيْهِ فَهُوَ مَوَاتٌ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَجَازَ إحْيَاؤُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا لِعَامِرٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ احْتَمَلَ عَوْدَهُ إلَيْهِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ مَوَاتًا) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ رُجُوعِ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ حَقُّهُمْ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَهُ حَرِيمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ لِلْحَاجَةِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَصَاحِبِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ لِيُجْرِيَ الْمَاءَ إذَا احْتَبَسَ بِشَيْءٍ وَقَعَ فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِي وَسَطِ الْمَاءِ

وَكَذَا يَحْتَاجُ إلَى مَوْضِعٍ يُلْقِي عَلَيْهِ الطِّينَ عِنْدَ الْكَرْيِ كَمَا فِي النَّقْلِ إلَى أَسْفَلِهِ، وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، وَلَهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَرِيمِ فِي الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ ثَبَتَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُلْحِقُ بِهِمَا مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ فِيهِمَا مُتَحَقَّقَةٌ فِي الْحَالِ إذْ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا لَا يَتَأَتَّى بِدُونِ الْحَرِيمِ، وَفِي النَّهْرِ مَوْهُومَةٌ بِاعْتِبَارِ الْكَرْيِ فَلَعَلَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَصْلًا نَعَمْ يَلْحَقُهُ بَعْضُ الْحَرَجِ فِي نَقْلِ الطِّينِ وَالْمَشْيِ فِي وَسَطِ النَّهْرِ إلَى أَسْفَلِهِ لَكِنَّهُ دُونَ الْحَرَجِ فِيهِمَا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِهِمَا إذْ شَرْطُ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ نَظِيرَ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَنَى قَصْرًا فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ لِذَلِكَ حَرِيمًا، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الْكُنَاسَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْقَصْرِ بِدُونِ الْحَرِيمِ، وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَيْهِ دُونَ حَاجَةِ صَاحِبِ الْبِئْرِ إلَى الْحَرِيمِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِقَّ فَإِنْ تَنَازَعَ فِي الْحَرِيمِ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ حَرِيمُ النَّهْرِ مِلْكِي كَانَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمٌ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ، وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ فِي الْحَرِيمِ، وَعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِيهِ فَمَنْ كَانَتْ يَدُهُ ثَابِتَةً فِيهِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً مُبْتَدَأَةً

فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَرِيمِ لِاسْتِمْسَاكِ مَائِهِ بِهِ وَالِاسْتِعْمَالُ يَدٌ فِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ، وَأَحَدُهُمَا لَابِسُهُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ بِالِاسْتِعْمَالِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَرِيمَ أَشْبَهَ بِالْأَرْضِ صُورَةً، وَمَعْنًى لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فِيهِمَا وَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ مَا هُوَ أَشْبَهَ بِهِ كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي مِصْرَاعِ بَابٍ لَيْسَ هُوَ فِي يَدِهِمَا وَالْمِصْرَاعُ الْآخَرُ مُرَكَّبٌ عَلَى بَابِ دَارِ أَحَدِهِمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ النَّهْرِ مُسْتَعْمِلًا لَهُ بِإِمْسَاكِ مَائِهِ بِهِ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَيْضًا مُسْتَعْمِلًا لَهُ بِدَفْعِ الْمَاءِ بِهِ عَنْ أَرْضِهِ فَاسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَكَانَ الْحَرِيمُ لَهُ فَيَغْرِسُ مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْأَشْجَارِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ تَعَلَّقَ لَهُ بِهِ حَقٌّ حَيْثُ يُسْتَمْسَكُ مَاؤُهُ بِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لَهُ إبْطَالُهُ كَمَا إذَا كَانَ حَائِطٌ لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ حَائِطَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَهْرٌ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ، وَأَرْضٌ لِآخَرَ خَلْفَ الْمُسَنَّاةِ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ غَرْسٌ، وَلَا طِينٌ مُلْقًى لِصَاحِبِ النَّهْرِ فَادَّعَى صَاحِبُ الْأَرْضِ الْمُسَنَّاةَ وَادَّعَاهَا صَاحِبُ النَّهْرِ أَيْضًا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَا لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَرِيمٌ لِمَلْقَى طِينِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَنْكَشِفُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيمُ مُوَازِيًا لِلْأَرْضِ لَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَرِيمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا مَعْلُومًا

وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَشْجَارٌ، وَلَا يَدْرِي مَنْ غَرَسَهَا فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَيْضًا، وَكَذَا قِيلَ إلْقَاءُ الطِّينِ عَلَى الْخِلَافِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ مَا لَمْ يَفْحُشْ ثُمَّ إذَا كَانَ الْحَرِيمُ لِأَحَدِهِمَا أَيِّهِمَا كَانَ لَا يَمْنَعُ الْآخَرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُبْطِلُ حَقَّ مَالِكِهِ كَالْمُرُورِ فِيهِ، وَإِلْقَاءِ الطِّينِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا حَرِيمَ لَهَا. اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ) كَذَا هُوَ فِي الْكَافِي، وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَتَأَمَّلْ. اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَا) هِيَ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: هِيَ أَيْ الْمُسَنَّاةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) إلَى هُنَا لَفْظُ الْجَامِعِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>