للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتَيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ تَقْبِيلُ الرَّجُلِ، وَمُعَانَقَتُهُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَاحِدٌ جَازَ كَالْمُصَافَحَةِ)، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ يُعَانِقَهُ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ، وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَقَالَ لَا أَدْرِي بِمَاذَا أُسَرُّ بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ، وَعَانَقَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ»، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَفِي الْكَافِي كَانَ الْأَعْرَابُ يُقَبِّلُونَ أَطْرَافَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْ عَطَاءٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ الْمُعَانَقَةِ فَقَالَ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ بِمَكَّةَ فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فَلَمَّا كَانَ بِالْأَبْطَحِ قِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرْكَبَ بِبَلْدَةٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ وَاعْتَنَقَهُ فَكَانَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ، وَلَهُمَا مَا رَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ لَا قُلْنَا أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا بَعْضًا قَالَ نَعَمْ» وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ، وَهِيَ الْمُعَانَقَةُ».

وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُكَاعَمَةِ، وَهِيَ التَّقْبِيلُ»، وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِهِ، وَقَالُوا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا غَيْرُ الْإِزَارِ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِمَا قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفَّقَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ الْمَكْرُوهُ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ فَجَائِزٌ وَرَخَّصَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقْبِيلَ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ الْمُتَوَرِّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ، وَقَبَّلَ أَبُو بَكْرٍ بَيْنَ عَيْنَيْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا قُبِضَ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ يَدِ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، وَمَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّالُ مِنْ تَقْبِيلِ يَدِ نَفْسِهِ إذَا لَقِيَ الْغَيْرَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ، وَمَا يَفْعَلُونَ مِنْ تَقْبِيلِ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ فَحَرَامٌ وَالْفَاعِلُ وَالرَّاضِي بِهِ آثِمَانِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الْوَثَنِ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهَذَا السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّحِيَّةَ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السُّجُودُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كُفْرٌ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ التَّقْبِيلَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ قُبْلَةِ الرَّحْمَةِ كَقُبْلَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَقَبَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقُبْلَةِ التَّحِيَّةِ كَقُبْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقُبْلَةِ الشَّفَقَةِ كَقُبْلَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدَيْهِ، وَقُبْلَةِ الْمَوَدَّةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ أَخَاهُ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَقُبْلَةِ الشَّهْوَةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ قُبْلَةَ الدِّيَانَةِ، وَهِيَ قُبْلَةُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.

وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْغَيْرِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَرَجَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا فَقُمْنَا لَهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَكْرَهُ الْقِيَامَ، وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَقُومُ لَهُ، وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَوَقَّعُونَ مِنِّي التَّعْظِيمَ فَلَوْ تَرَكْت تَعْظِيمَهُمْ تَضَرَّرُوا وَالْفُقَرَاءُ وَطَلَبَةُ الْعِلْمِ لَا يَطْمَعُونَ مِنِّي فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَطْمَعُونَ فِي جَوَابِ السَّلَامِ وَالتَّكَلُّمِ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لَهُمْ، وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهَا سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ مُتَوَارَثَةٌ فِي الْبَيْعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْآثَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُكَامَعَةِ) فِيهِ أَنَّهُ نَهَى الْمُكَامَعَةِ هُوَ أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَا حَاجِزَ بَيْنَهُمَا وَالْكَمِيعُ الضَّجِيعُ وَزَوْجُ الْمَرْأَةِ كَمِيعُهَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَتَفْسِيرُ الْمُكَامَعَةِ بِالْمُعَانَقَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ كَامَعَ امْرَأَتَهُ ضَاجَعَهَا، وَكَاعَمَ الْمَرْأَةَ قَبَّلَهَا، وَقَالَ فِي الْفَائِقِ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُكَاعَمَةِ وَالْمُكَامَعَةِ أَيْ عَنْ مُلَاثَمَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَمُضَاجَعَتِهِ إيَّاهُ لَا سِتْرَ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَدِ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ) قُلْت كَذَلِكَ يَجُوزُ تَقْبِيلُ يَدِ الْوَالِدَيْنِ وَالشَّيْخِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ. اهـ عَيْنِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ) أَيْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقُبْلَةِ الشَّفَقَةِ كَقُبْلَةِ الْوَلَدِ وَالِدَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّأْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقُبْلَةِ الْمَوَدَّةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ أَخَاهُ) أَيْ أَوْ أُخْتَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى الْجَبْهَةِ) عَلَى الْخَدِّ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَقُبْلَةِ الشَّهْوَةِ كَقُبْلَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ) أَيْ عَلَى الْفَمِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْقِيَامُ لِلْغَيْرِ إلَخْ)، وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ أَوْ وَاحِدٌ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأَشْرَافِ قَالُوا إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَالِمٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ أُسْتَاذُهُ جَازَ أَنْ يَقُومَ لِأَجْلِهِ، وَفِي سِوَى ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ) أَيْ الْحَكِيمِ السَّمَرْقَنْدِيِّ. اهـ غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَحَرَّكَ يَدَهُ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ) الَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي غَالِبِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَحَرَّكَ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ إلَخْ وَوَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ كَمَا أَصْلَحْت هُنَا فَلْيُرَاجَعْ لَفْظُ الْحَدِيثِ. اهـ. وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ بِخَطِّهِ وَحَرَّكَ فِي يَدِهِ تَنَاثَرَتْ. اهـ. قَوْلُهُ: فِي غَالِبِ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ أَيْ، وَفِي الْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>