للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِبْرَاءُ بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ أَنْ لَوْ كَانَ الْقَبْضُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ عِنْدِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يَفْسُدُ عِنْدَ الشِّرَاءِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ ضَرُورَةَ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُجَامِعُ مِلْكَ الْيَمِينِ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ مَنْكُوحَةً، وَلَا مُعْتَدَّةً بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُعْتَدَّةً مِنْهُ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ بِهِ ذَكَرَهُ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ يُزَوِّجُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا، وَيَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ الْمُؤَكَّدِ بِالْقَبْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْجُهَا حَلَالًا لَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ حَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَانُ وُجُودِ السَّبَبِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْمُظَاهِرُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الدَّوَاعِي كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَكَالْمُحْرِمِ وَالْمُعْتَكِفِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ سَبَبَ الْحَرَامِ حَرَامٌ إلَّا أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي حَالَةِ الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ، وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْتَدَّانِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُقَبِّلُ، وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُضَاجِعُ نِسَاءَهُ، وَهُنَّ حُيَّضٌ»

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ أَمَتَانِ أُخْتَانِ قَبَّلَهُمَا بِشَهْوَةٍ حَرُمَ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الْأُخْرَى بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ عِتْقٍ)، وَلَوْ قَالَ حُرِّمَتَا حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ إحْدَاهُمَا كَانَ الْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْرُمَانِ عَلَيْهِ لَا إحْدَاهُمَا فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا أَوْ وَطْئًا لَا يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] وَالْمُرَادُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا، وَعَقْدًا؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَطْئًا، وَعَقْدًا، وَلَا يُعَارَضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣]؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِلْمُحَرَّمِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سُئِلَ عَنْهُمَا فَقَالَ حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ فَتَلَا الْآيَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْحُكْمُ لِلْمُحَرَّمِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّوَاعِي؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ إلَى الْوَطْءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ أَوْ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُهُ الْوَطْءُ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَطِئَهُمَا فَعِنْدَ ذَلِكَ تَحْرُمَانِ فَكَذَا هَذَا، وَمَسُّهُمَا بِشَهْوَةٍ أَوْ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهِمَا كَتَقْبِيلِهِمَا حَتَّى يَحْرُمَا عَلَيْهِ إلَّا إذَا حَرُمَ فَرْجُ إحْدَاهُمَا بِمَا ذُكِرَ لِزَوَالِ الْجَمْعِ بِتَحْرِيمِ فَرْجِ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ. وَتَمْلِيكُ الْبَعْضِ كَتَمْلِيكِ الْكُلِّ، وَكَذَا إعْتَاقُ الْبَعْضِ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَتَجَزَّأُ لَكِنَّهُ يَحْرُمُ بِهِ الْفَرْجُ؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَكِتَابَةُ إحْدَاهُمَا كَإِعْتَاقِهَا؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا يَحْرُمُ بِالْكِتَابَةِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ وَبِرَهْنِ إحْدَاهُمَا وَإِجَارَتِهَا، وَتَدْبِيرِهَا لَا تَحِلُّ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا يَحْرُمُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَقَوْلُهُ حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الْأُخْرَى بِمِلْكٍ أَرَادَ بِهِ التَّمْلِيكَ بِأَنْ يَمْلِكَ رَقَبَتَهَا مِنْ إنْسَانٍ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَكَالصُّلْحِ وَالْخُلْعِ وَالْمَهْرِ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ نِكَاحٍ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ أَمَّا إذَا زَوَّجَ إحْدَاهُمَا نِكَاحًا فَاسِدًا لَا تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَمْ يَصِرْ حَرَامًا عَلَيْهِ بِهَذَا الْعَقْدِ الْمُجَرَّدِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَحِينَئِذٍ تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَوْلَى فَرْجُهَا فَلَمْ يَصِرْ جَامِعًا، وَلَوْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا دُونِ الْأُخْرَى حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْمَوْطُوءَةِ دُونَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بِوَطْءِ الْأُخْرَى لَا بِوَطْءِ الْمَوْطُوءَةِ وَكُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَا يَجُوزُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ يُزَوِّجُهَا الْبَائِعُ غَيْرَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا هُوَ، وَيَقْبِضُهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ أَوْ يَشْتَرِيهَا أَوَّلًا ثُمَّ يُزَوِّجُهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا ثُمَّ يَقْبِضَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ، وَإِنْ خَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي، وَلَا يَشْتَرِيهَا، وَلَا يُطَلِّقُهَا فَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ زَوَّجْتُهَا مِنْك عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِي فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ أُطَلِّقُهَا مَتَى شِئْتَ أَوْ يَقُولَ زَوَّجْتهَا مِنْك عَلَى أَنَّك إنْ لَمْ تَشْتَرِهَا مِنِّي الْيَوْمَ بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي النِّكَاحَ، وَكَذَا الْحِيلَةُ إذَا خِيفَ عَلَى الْمُحَلِّلِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ) تَقَدَّمَ فِي الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةَ الْغَيْرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اشْتَرَى جَارِيَةً، وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا يَوْمٌ أَوْ بَعْضُ يَوْمٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ الْحَالَةِ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا يَمْتَدَّانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالصَّوْمُ قَدْ يَمْتَدُّ فِي الْفَرْضِ إلَى شَهْرٍ فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَالنَّفَلُ تَابِعٌ لِلْفَرْضِ فَأُعْطِيَ حُكْمُهُ. اهـ. (فَرْعٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَ عَنْ فِرَاشِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ فِعْلَ الْيَهُودِ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ. اهـ ذَكَرَهُ فِي الْكَرَاهِيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الدَّوَاعِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَوْ قَبَّلَهُمَا جَمِيعًا بِشَهْوَةٍ فَقَدْ بَاشَرَ حَرَامًا وَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ وَطْئِهِمَا. اهـ. ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ الْحِلُّ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْحِلِّ، وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ، وَأَرَادَ بِآيَةِ الْإِحْلَالِ قَوْله تَعَالَى {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦]، وَأَرَادَ بِآيَةِ التَّحْرِيمِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مَعَ الْمُبِيحِ إذَا اجْتَمَعَا فَالْمُحَرَّمُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَجِبُ تَرْكُهُ وَالْمُبَاحَ لَا يَجِبُ فِعْلُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>