للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ وَلَا يَبْطُلُ كَالنَّسَبِ، وَالْمُنْتَهِي مُتَقَرِّرٌ فَيَصِحُّ تَصْدِيقُهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ وَالْإِقْرَارُ قَائِمٌ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ يُوجَدْ فَصَحَّ التَّصْدِيقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ بِتَصَادُقِهِمَا فَيَرِثُ مِنْهَا إذْ الثَّابِتُ بِتَصَادُقِهَا كَالثَّابِتِ عِيَانًا؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى النِّكَاحِ تُقْبَلُ وَلَوْلَا أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَمَا قُبِلَتْ فَكَذَا بِتَصَادُقِهِمَا يُعْمَلُ فِيهِ أَيْضًا كَالْبَيِّنَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ وَأَمَّا الْإِرْثُ فَحُكْمٌ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالنِّكَاحُ إنَّمَا يَنْتَهِي فِي حَقِّ حُكْمٍ كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَالنِّكَاحُ مَعْدُومٌ فِيهِ فَلَوْ صَحَّحْنَا الْإِقْرَارَ وَالنِّكَاحُ مَعْدُومٌ صَحَّحْنَاهُ لِإِثْبَاتِ الْإِرْثِ ابْتِدَاءً فَيَكُونُ التَّصْدِيقُ وَاقِعًا فِي شَيْءٍ هُوَ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُ النِّكَاحِ بَاقِيًا بِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ كَسْبًا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ ثُمَّ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ اسْتَحَقَّ الْكَسْبَ وَالْإِرْثُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ فِي حَقِّهِ قُلْنَا الْكَسْبُ يَقَعُ مِلْكًا لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ مِنْ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ وَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً مَلَكَ مَنَافِعَهَا حُكْمًا تَبَعًا لَهَا فَيَصِيرُ الْإِقْرَارُ بِالْعَبْدِ إقْرَارًا لَهُ بِأَنَّ الْكَسْبَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَيَصِيرُ قِيَامُهُ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِ الْعَبْدِ، وَأَمَّا الْإِرْثُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهَا بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ لَا بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ يَفُوتُ بِمَوْتِهَا فَيَبْقَى تَصْدِيقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى إرْثٍ مُبْتَدَأٍ فَلَا يَصِحُّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّتْ بِهِ هِيَ نِكَاحٌ وَمَا ادَّعَاهُ هُوَ بَعْدَ مَوْتِهَا إرْثٌ فَلَا يَكُونُ تَصْدِيقُهَا لَهَا فِيمَا أَقَرَّتْ بِهِ بَلْ هُوَ دَعْوًى مُبْتَدَأَةٌ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بِلَا حُجَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّهَا حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ فَيَثْبُتُ بِهَا مُدَّعَاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ نَحْوِ الْأَخِ وَالْعَمِّ لَمْ يَثْبُتْ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِنَسَبٍ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ بِأَنَّهُ ابْنُهُ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالْجَدِّ أَوْ بِابْنِ الِابْنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَجُوزُ بِدُونِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَالْإِرْثِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ وَرِثَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا) أَيْ إنْ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ لَا يَرِثُ الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مَعَ وَارِثٍ مَعْرُوفٍ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ كَذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْ بَعِيدًا كَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَرِثَهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِضْرَارِ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ بِالنَّسَبِ وَبِاسْتِحْقَاقِ مَالِهِ بَعْدَهُ وَهُوَ فِي النَّسَبِ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ فَيُرَدُّ وَفِي اسْتِحْقَاقِ مَالِهِ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُزَاحِمِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ لِهَذَا الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى كَانَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَلْزَمُهُ كَالْوَصِيَّةِ إرْثٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمُقَرِّ لَهُ مَا دَامَ الْمُقِرُّ مُصِرًّا عَلَى إقْرَارِهِ كَأَنَّهُ وَارِثٌ حَقِيقَةً.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَرَكَهُ فِي الْإِرْثِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، نَظِيرُهُ مُشْتَرِي الْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَعْتِقَ الْعَبْدُ فَإِذَا قُبِلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ نِصْفَ نَصِيبِ الْمُقِرِّ مُطْلَقًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يُجْعَلُ إقْرَارُهُ شَائِعًا فِي التَّرِكَةِ فَيُعْطَى الْمُقِرُّ مِنْ نَصِيبِهِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَاتَ أَبُوهُ أَخٌ مَعْرُوفٌ فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ فَكَذَّبَهُ أَخُوهُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ أَعْطَى الْمُقِرُّ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي النِّصْفَيْنِ فَنَفَذَ إقْرَارُهُ فِي حِصَّتِهِ وَبَطَلَ مَا كَانَ فِي حِصَّةِ أَخِيهِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ وَالسُّدُسُ الْآخَرُ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ بَطَلَ إقْرَارُهُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمُنْكِرُ ظَالِمٌ بِإِنْكَارِهِ فَيُجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ كَالْهَالِكِ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ تَأْخُذُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا تَأْخُذُ خُمُسَهُ، وَلَوْ أَقَرَّ ابْنٌ وَبِنْتٌ بِأَخٍ وَكَذَّبَهُمَا ابْنٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ وَصِيَّةٌ حَقِيقَةً أَيْ لَكِنْ الْإِقْرَارُ بِنَسَبِ الْأَخِ وَالْعَمِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ بِالْمَالِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ النَّسَبَ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ الْمَالُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْجَمِيعِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ لِأَحَدٍ كَانَ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لَمَّا صَحَّ بَطَلَ الْإِقْرَارُ أَصْلًا وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الرُّجُوعُ قَبْلَ ثُبُوتِ النَّسَبِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ لِكَوْنِهِ تَحْمِيلًا عَلَى الْغَيْرِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ؛ وَلِهَذَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ قَالَ هُوَ ابْنُ عَبْدِي الْغَائِبِ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا ثَبَتَ لَا يَنْتَقِضُ بِالْجُحُودِ وَالتَّكْذِيبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَيْسَ هَذَا بِوَصِيَّةٍ فِي الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ، ثُمَّ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثَ وَالْبَاقِيَ لِلْأَخِ، وَلَوْ كَانَ الْأَخُ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَجَبَ قِسْمَةُ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ فِي حُكْمِ الْمُوصَى لَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَالَ بِقَوْلِ الْمَرِيضِ وَلَيْسَ هُنَاكَ نَسَبٌ ثَابِتٌ يَسْتَنِدُ الِاسْتِحْقَاقُ إلَيْهِ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>