للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرْنٌ وَيَلَمْلَمَ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَتَجَاوَزُهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَقْتٌ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ فَقَالَ هُنَّ لَهُمْ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي أَكْثَرِ طُرُقِهِ هُنَّ لَهُنَّ وَالْأَوَّلُ الْأَصَحُّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ تَقْدِيرُهُ هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ فَحَذَفَ الْأَهْلَ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمَنْ سَلَكَ مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَحْرَمَ مِنْهُ لِمَا رَوَيْنَا، وَإِنْ سَلَكَ مِيقَاتَيْنِ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّ اجْتَهَدَ أَوْ أَحْرَمَ إذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْهُمَا وَأَبْعَدُهُمَا أَوْلَى بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَحْرَمَ مِنْ الْجُحْفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا مَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَكَذَا كُلَّمَا كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إذَا أَرَادَتْ الْحَجَّ أَحْرَمَتْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَإِذَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ أَحْرَمَتْ مِنْ الْجُحْفَةِ فَكَأَنَّهَا طَلَبَتْ زِيَادَةَ الْأَجْرِ فِي الْحَجِّ لِزِيَادَةِ فَضْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْجُحْفَةُ مِيقَاتًا لَهَا لَمَا جَازَ لَهَا تَأْخِيرُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ فِي الْمِيقَاتِ ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذْ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَنَا

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، وَإِذَا أَرَادَ غَيْرَهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ شُرِعَ لِأَدَاءِ النُّسُكِ فَإِذَا نَوَاهُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَحِيَّةِ الْبُقْعَةِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ التَّاجِرُ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْبَيْتَ مُعَظَّمًا وَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِنَاءً لَهُ وَجَعَلَ مَكَّةَ فِنَاءً لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَجَعَلَ الْمِيقَاتَ فِنَاءً لِلْمُحْرِمِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِكَيْفِيَّةِ تَعْظِيمِهِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا رَوَاهُ كَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ السَّاعَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «مَكَّةُ حَرَامٌ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا» يَعْنِي الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِلِّ الدُّخُولِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْقِتَالِ وَقَوْلُهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْإِحْرَامُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا؛ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ عِنْدَ إرَادَةِ النُّسُكِ إجْمَاعًا وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِحَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُكْثِرُ دُخُولَهُ مَكَّةَ وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَأَلْحَقُوا بِأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُمْ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بَعْدَمَا خَرَجُوا مِنْهَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلِهَذَا أُلْحِقُوا بِهِمْ فِي عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدُوا أَدَاءَ النُّسُكِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا لَا عَكْسُهُ) أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ، وَهُوَ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ حَدٍّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ هَلْ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ أَيْ حَدٌّ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَقَدْ اشْتَقُّوا فِيهِ فَقَالُوا وَقَتَ اللَّهُ الصَّلَاةَ وَوَقَّتَهَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْ بَيَّنَ وَقْتَهَا وَحَدَّدَهُ (قَوْلُهُ وَقَرَنَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقَرَنُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَوْضِعٌ، وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ وَمِنْهُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ وَالْقَرْنُ بِالسُّكُونِ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي مَكَانَيْنِ فِيهِ فِي تَحْرِيكِ الرَّاءِ وَنِسْبَةُ أُوَيْسٍ إلَى الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى قَرَنٍ، وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادِ قَبِيلَةٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَلِأَهْلِ النَّجْدِ) بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي خَطِّهِ (قَوْلُهُ فَقَالَ هُنَّ لَهُمْ) هُنَّ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ الْعَاقِلِ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ يُعَادُ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي الْعَشَرَةِ فَدُونٍ فَإِذَا جَاوَزَهَا قَالُوهُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: ٣٦] ثُمَّ قَالَ {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] اهـ شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ (قَوْلُهُ فَمُهَلُّهُ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَوْضِعُ إهْلَالِهِمْ. اهـ. تَنْقِيحٌ الزَّرْكَشِيّ وَضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَخْ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْدَهَا أَوْ فِيهَا نَفْسِهَا فِي نَصِّ الرِّوَايَةِ. اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ إلَخْ) بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَجْمَعُوا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ فَيَجِبُ حَمْلُ الْأَفْضَلِيَّةِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ دَارِهِ إلَى مَكَّةَ دُونَ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي قَاضِي خَانْ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ إلَخْ) ثُمَّ هَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ إيجَابَ الْإِتْمَامِ عَلَى مَنْ شَرَعَ فِي بَحْثِ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي أَوَّلَ كِتَابِ الْحَجِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) هِيَ تَصْغِيرُ الدَّارِ وَعَنْ شَيْخِ شَيْخِي، وَإِنَّمَا قَالَ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ لِمُقَابَلَةِ بَيْتِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْبُيُوتِ مُحَقَّرٌ بِنِسْبَتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>