للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَجْلِسُ الْعِلْمِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعْتَبَرُ تَمْلِيكًا مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ، وَالشَّيْءُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَمْلِكَهُ شَخْصَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ قُلْنَا هَذَا تَمْلِيكُ الْإِيقَاعِ لَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَلَا يَسْتَحِيلُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا فِي النَّفَقَةِ أَوْ الْكُسْوَةِ أَوْ الدَّارِ لِلسُّكْنَى وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا فِي نَفْسِهَا فَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بِهِ يَتَحَقَّقُ لِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ)؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَوِّعٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ وَضْعًا بِصِيغَةِ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: ١٩]، وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: ١٥٤] وَهُوَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى تَمْلِيكَ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ وَهُوَ مُحْتَمَلُ لَفْظِهِ فَيَجُوزُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ اخْتَارِي فَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا جُعِلَ تَمْلِيكًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْإِيقَاعِ وَلَا عَنْ التَّفْوِيضِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ خِيَارُهَا)؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ أَخْذٍ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِهِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ هُنَاكَ الِافْتِرَاقُ لَا عَنْ قَبْضٍ دُونَ الْإِعْرَاضِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا شَرْطٌ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ طَلَاقًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ فِي الْمُفَسِّرَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْتُ مُبْهَمٌ فَلَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ النَّفْسِ مُتَّصِلًا وَإِنْ انْفَصَلَ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَذِكْرُ الِاخْتِيَارَةِ كَذِكْرِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ تَارَةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك بِمَا شِئْت أَوْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعَدُّدَ مِنْ لَوَازِمِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مِرَارًا دُونَ اخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا، وَكَذَا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ النَّفْسِ، وَكَذَا قَوْلُهَا أَخْتَارُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا اخْتَرْت أُخْتِي أَوْ عَمَّتِي وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي فَالْعِبْرَةُ لِلسَّابِقِ، وَلَوْ قَالَتْ أَوْ زَوْجِي يَبْطُلُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَ اخْتَرْتِ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ التَّفْسِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ شَرْطٌ مِنْ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ قَالَ هُوَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ هِيَ اخْتَرْتُ حَيْثُ يَقَعُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا مُفَسِّرٌ وَمَا نَوَاهُ الزَّوْجُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ أَوْ كَلَامُهُ مُفَسِّرٌ وَكَلَامُهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مَجْلِسُ الْعِلْمِ) قَالَ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ مَجْلِسِ الزَّوْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ طَالَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَتَبَدَّلْ بِالْأَعْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ) أَمَّا إذَا خَيَّرَهَا بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَا إذَا كَانَا فِي غَضَبٍ وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لَا يُسَوَّغُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ اهـ كَمَالٌ قَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ خَيَّرَهَا ثُمَّ قَالَ مَا أَرَدْت الطَّلَاقَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا خَيَّرَهَا فَأَكَلَتْ طَعَامًا أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ أَقَامَهَا الزَّوْجُ بِيَدِهِ يَبْطُلُ خِيَارُهَا، وَلَوْ لَبِسَتْ ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ الْمَاءَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الِاسْتِخْلَاصِ وَالصَّفَاءِ عَنْ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فَائِدَةُ التَّخْيِيرِ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) أَيْ حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ) أَيْ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ بِلَا نِيَّةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ ثَلَاثٌ إذَا كَانَ بِالنِّيَّةِ. اهـ. عَيْنِيٌّ.

(قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ يَكُونُ مَجْلِسَ الْمُنَاظَرَةِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ فَيَكُونُ مَجْلِسَ الْأَكْلِ إذَا اشْتَغَلُوا بِهِ فَيَكُونُ مَجْلِسَ الْقِتَالِ إذَا اقْتَتَلُوا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالِاخْتِيَارَةِ وَالتَّطْلِيقَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْت أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ الْأَزْوَاجَ أَوْ أَهْلِي بَعْدَ قَوْلِهِ اخْتَارِي يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ فِي الْأَزْوَاجِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا أَهْلِي؛ لِأَنَّ الْكَوْنَ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ اخْتَرْت أَهْلِي إنَّمَا يَكُونُ لِلْبَيْنُونَةِ وَعَدَمِ الْوَصْلَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَلِذَا تَطْلُقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ الْحَقِي بِأَهْلِك بِخِلَافِ قَوْلِهَا اخْتَرْت قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَقَعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَهَا أَخٌ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ إذَا عَدِمَتْ الْوَالِدَيْنِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ طَلَاقًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُفَسَّرِ بِذِكْرِ النَّفْسِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ أَهْلِي أَوْ نَحْوَهُ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا قُلْنَا عُرِفَ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ اعْتِبَارُ مُفَسَّرٍ لَفْظًا مِنْ جَانِبٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي غَيْرُ الْمُفَسَّرِ. وَأَمَّا خُصُوصُ لَفْظِ الْمُفَسَّرِ فَمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ وَاعْتِبَارُ الْمُفَسَّرِ أَعَمُّ مِنْهُ حَتَّى بِقَرِينَةٍ غَيْرِ لَفْظِيَّةٍ تُوجِبُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُقُوعِ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مِرَارًا) يَعْنِي بِأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا كُلَّمَا فَوَّضَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي إلَخْ) وَفِي الشَّامِلِ قَالَ لَهَا اخْتَارِي ثُمَّ أَبَانَهَا فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَةَ لَا تُبَانُ. اهـ. عَيْنِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>