للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُعَادِ فِي كَلَامِهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي تَطْلُقُ) أَمَّا قَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهَا أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ أَوْ يَحْتَمِلُهُ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ إنِّي مُخَيِّرُك بِشَيْءٍ فَلَا تُجِيبِينِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِالْآيَةِ فَقَالَتْ أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ» فَجَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَوَابًا مِنْهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْحَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ يُقَالُ فُلَانٌ يَخْتَارُ كَذَا يُرِيدُونَ بِهِ تَحْقِيقَهُ فَيَكُونُ حِكَايَةً عَنْ اخْتِيَارِهَا فِي الْقَلْبِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حِكَايَةً عَنْ تَطْلِيقِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِعْلُ اللِّسَانِ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِهِ نُطْقَهَا بِهَذَا الْخَبَرِ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ فَلَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لَمَّا كَانَتْ حِكَايَةً عَنْ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ لَمْ يَسْتَحِلْ اجْتِمَاعُهُمَا فَجُعِلَتْ إخْبَارًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ أَمْلِكُ كَذَا، وَكَذَا مِنْ الْمَالِ لَمَّا لَمْ يَسْتَحِلْ ذَلِكَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ أَوْ اخْتِيَارَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ) وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ فَتَعَيَّنَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي حَيْثُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ بِلَا نِيَّةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ اعْتِدَادَ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ لَا تُحْصَى فَلَا يَتَعَيَّنُ لِلطَّلَاقِ وَاخْتِيَارُهَا الزَّوْجَ لَا يَتَعَدَّدُ، وَكَذَا الِاخْتِيَارُ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَتَعَيَّنَ لِلْمُتَعَدِّدِ وَهُوَ الطَّلَاقُ هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَإِنْ كَرَّرَ قَوْلَهُ اخْتَارِي وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلْفٍ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَقَدْ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ مَعَ ذِكْرِ الْمَالِ وَالتَّكْرَارِ مَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الطَّلَاقِ أَيْضًا وَفِي الْكَافِي قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا حُذِفَ لِشُهْرَتِهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّفْرِيعُ دُونَ بَيَانِ صِحَّةِ الْجَوَابِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ حُذِفَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ التَّأْكِيدَ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ كَانَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَكَانَ طَلَاقًا ظَاهِرًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بَلْ يُصَرَّحُ بِهِ ثُمَّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُفِيدُ الْإِفْرَادَ وَالتَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْوُسْطَى اسْمٌ لِفَرْدٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَالْأَخِيرَةُ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالتَّرْتِيبُ بَاطِلٌ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي الْمُجْتَمِعِ فِي مِلْكٍ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الْأَعْيَانِ كَمَا يُقَالُ جَاءَ هَذَا أَوَّلًا وَنَحْوُهُ لَا فِي ذَاتِهَا فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُفِيدُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت الطَّلْقَةَ الَّتِي صَارَتْ إلَيَّ بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْوَاحِدَةُ وَلَهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لِلتَّرْتِيبِ وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأُولَى وَنَحْوَهَا نَعْتٌ وَالنَّعْتُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَذْكُورِ وَالِاخْتِيَارُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي دُونَ غَيْرِهِ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْت

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُعَادِ فِي كَلَامِهَا) أَيْ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي. اهـ. كَافِي.

(قَوْلُهُ فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي) الْمَقْصُودُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ كَأَخْتَارُ نَفْسِي سَوَاءٌ ذَكَرَتْ أَنَا أَوْ لَا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ رَقَبَتَك فَقَالَ أَنَا أَعْتِقُ لَا يَعْتِقُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ) أَيْ صِيغَةَ الْمُضَارِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا طَالِقٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِخِلَافِ قَوْلِهَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ اخْتِيَارًا عَنْ طَلَاقٍ قَائِمٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ بِاللِّسَانِ فَلَوْ جَازَ قَامَ بِهِ الْأَمْرَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَكُونُ بِنَفْسِ أُطَلِّقُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُفَ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ جَازَ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقَعَ بِهِ هُنَا إنْ تُعُورِفَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ اهـ (قَوْلُهُ فَجُعِلَتْ إخْبَارًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ) أَيْ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي أَنَا أُطَلِّقُ بِإِرَادَةِ الْحَالِ. اهـ. كَافِي.

(قَوْلُهُ حُذِفَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا)، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ اللَّفْظِ يُخَالِفُهُ اهـ ق. (قَوْلُهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ نَظَرَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَالتَّكْرَارُ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ، وَلِهَذَا شَرَطَ النِّيَّةَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مُصَرِّحًا وَأَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُ صَرَّحُوا بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَعَ وُجُودِ تَكْرَارِ الِاخْتِيَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ) أَيْ فِيمَا لَا يُفِيدُ وَهُوَ التَّرْتِيبُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ) أَيْ وَإِنَّمَا جُعِلَ التَّرْتِيبُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْكَلَامِ لَا بَيَانُ الْإِفْرَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ) أَيْ فَيَبْقَى قَوْلُهَا اخْتَرْت فَيَقَعُ الثَّلَاثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَغَا ذِكْرُ التَّرْتِيبِ بَقِيَ قَوْلُهَا اخْتَرْت وَبِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَقُلْ اخْتَرْت نَفْسِي قُلْنَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الطَّلَاقِ وَهُنَا فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ اخْتَارِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت) أَيْ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ اخْتَارِي

<<  <  ج: ص:  >  >>