للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُذُوعًا أَوْ يُحْدِثَ كَنِيفًا قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ إلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ مِثْلَ مَا قَالَا وَقِيلَ فِيهِ خِلَافٌ حَقِيقَةً وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُمَا الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ لَهُ وَالْحُرْمَةُ لِعَارِضٍ وَهُوَ الضَّرَرُ بِالْغَيْرِ فَمَا أَشْكَلَ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَعِنْدَهُ الْأَصْلُ هُوَ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالرَّهْنِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْإِطْلَاقِ لِعَارِضٍ وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ بِيَقِينٍ فَمَا أَشْكَلَ يَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحَظْرِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ الْمُشْكِلِ فَظَهَرَ فِيهَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ، وَلَا خِلَافَ فِيمَا لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَلَكِنْ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ إنْ شَاءَ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ عُلُوَّهُ، ثُمَّ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ السُّكْنَى فِيهِ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي ذَلِكَ فَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا انْهَدَمَتْ فَبَنَاهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذْ هُوَ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْسِمَ عَرْصَتَهَا وَيَبْنِيَ نَصِيبَهُ، وَصَاحِبُ الْعُلْوِ لَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى، وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَعَلَى هَذَا لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُ الدَّارِ أَوْ بَعْضُ الْحَمَّامِ فَأَصْلَحَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إذْ لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ بَعْضِهِ، وَلَوْ انْهَدَمَ كُلُّهُ فَعَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَلَوْ هَدَمَ صَاحِبُ السُّفْلِ سُفْلَهُ بِنَفْسِهِ يُجْبَرُ عَلَى إعَادَتِهِ لِتَعَدِّيهِ بِمَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَالرَّاهِنِ يُعْتِقُ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ أَوْ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِعِتْقٍ أَوْ نَحْوِهِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُجْبِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ، فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْآخَرِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ إذْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ كَرْيُ النَّهْرِ أَوْ إصْلَاحِ سَفِينَةٍ مَعِيبَةٍ وَفِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَإِنْ لَمْ يُجْبَرْ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا كَمَسْأَلَةِ انْهِدَامِ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى حَقِّهِ أَصْلًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِالْإِصْلَاحِ فَصَارَ مُضْطَرًّا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ تَصَرَّفَ صَاحِبُ السُّفْلِ فِي سَاحَةِ السُّفْلِ بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ لَا يَفْتَحُ فِيهَا أَهْلُ الْأُولَى بَابًا بِخِلَافِ الْمُسْتَدِيرَةِ) مَعْنَاهُ سِكَّةٌ طَوِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا سِكَّةٌ أُخْرَى طَوِيلَةٌ وَهِيَ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لِأَهْلِ السِّكَّةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا إلَى السِّكَّةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْبَابَ يُقْصَدُ لِلْمُرُورِ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ فِيهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَهْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا كَانَ حَقُّ الشُّفْعَةِ لَهُمْ لَا لِأَهْلِ الْأُولَى، فَلَوْ مُكِّنُوا مِنْ فَتْحِ الْبَابِ لَخَرَجُوا مِنْهُ إلَيْهَا إذْ لَا يُمْكِنُهُمْ الْمَنْعُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَيُخَافُ أَنْ يَسُدَّ بَابَهُ الْأَصْلِيَّ وَيَكْتَفِيَ بِالْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَيَجْعَلَ دَارِهِ مِنْ تِلْكَ السِّكَّةِ فَيَمْنَعَ مِنْهُ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ، فَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ وَلِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِمْ ضَرَرٌ بِأَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِمْ فَيُمْنَعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ نَافِذَةً؛ لِأَنَّ الِاسْتِطْرَاقَ حَقُّ الْعَامَّةِ وَهُمْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَقِيلَ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ لِأَنَّهُ رَفَعَ جِدَارَهُ وَهُوَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ كُلَّهُ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ نَقْضُ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يُرَكَّبُ عَلَيْهِ بَابًا وَيَدَّعِي الْمُرُورَ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ فَيُسْتَدَلُّ بِالْبَابِ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ إلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ عُلُوٌّ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ فِي الْعُلْوِ بِنَاءً أَوْ يَتِد وَتَدًا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ ضَرَّ بِالسُّفْلِ يُمْنَعُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ لَا يُمْنَعُ وَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَالْإِشْكَالِ يُمْنَعُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ الْأَصْلُ هُوَ الْخَطَرُ) وَقَوْلُهُ قِيَاسٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلْوِ مِنْ تَوْهِينِ بِنَاءٍ أَوْ نَقَضِهِ فَوَجَبَ نَقْضُهُ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِيمَا لَا إشْكَالَ فِيهِ) أَيْ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ) أَيْ أَمَّا إذَا هَدَمَهُ بِنَفْسِهِ فَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ إلَخْ) وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَائِطِ وَعِمَارَتِهِ قَالَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَهَذَا عِنْدِي فِي غَايَةِ الْحُسْنِ إذَا كَانَ بِقَضَاءٍ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَضْمَنَ لَوْ عَلَا بِنَاءُ السُّفْلِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبِنَاءِ) قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتُلِفَ أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْبِنَاءِ أَوْ وَقْتَ الرُّجُوعِ وَالصَّحِيحُ وَقْتَ الْبِنَاءِ اهـ (قَوْلُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِبِنَائِهِ، فَلَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يُجْبَرُ عَلَى إعَادَتِهِ لِتَعَدِّيهِ بِمَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ) أَيْ، وَهُوَ قَرَارُ الْعُلْوِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ كَرْيِ النَّهْرِ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَرْيِهِ وَكَرَى الْآخَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي) يَعْنِي الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ إذَا جَنَى فَفَدَاهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يُجْبَرُ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ) وَالزَّائِغَةُ الْأُولَى غَيْرُ نَافِذَةٍ أَيْضًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَ نَافِذَةٍ حَالًا مِنْ الزَّائِغَتَيْنِ جَمِيعًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِأَهْلِ السِّكَّةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا إلَخْ) وَلَكِنْ هَذَا فِيمَا إذَا أَرَادَ بِفَتْحِ الْبَابِ الْمُرُورَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ اسْتِحْسَانًا وَإِذَا أَرَادَ بِهِ الِاسْتِضَاءَةَ أَوْ الرِّيحَ دُونَ الْمُرُورِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ كَذَا نَقَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْكِتَابِ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى فَتَحَ الْبَابَ فَقَدْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ طَرِيقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ مَنْعُهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَزَمَانٍ حَتَّى لَوْ فَتَحَ بَابًا لِلِاسْتِضَاءَةِ وَالرِّيحِ وَنَحْوِهِ لَا يُمْنَعُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>