وَقِيلَ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ إنْ رَأَوْهُمْ كَثِيرًا كَانُوا كَثِيرًا، وَإِنْ رَأَوْهُمْ قَلِيلًا كَانُوا قَلِيلًا، وَهُوَ أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالشَّرِيكُ فِي خَشَبَةٍ عَلَى الْحَائِطِ وَوَاضِعُ الْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ جَارٌ)، وَلَا يَكُونُ شَرِيكًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْعَقَارِ لَا فِي الْمَنْقُولِ، وَالْخَشَبَةُ مَنْقُولَةٌ، وَبِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى الْحَائِطِ لَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الدَّارِ، وَكَذَا بِالشَّرِكَةِ فِي الْجُذُوعِ لَا يَكُونُ شَرِيكًا فِيهَا لَكِنَّهُ جَارٌ مُلَازِقٌ لِوُجُودِ اتِّصَالِ بُقْعَةِ أَحَدِهِمَا بِبُقْعَةِ الْآخَرِ فَيَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنَّهُ جَارٌ مُلَاصِقٌ، وَلَا يَتَرَجَّحُ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ، وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي الْجِدَارِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْبِنَاءِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ، وَالْمَكَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَانَ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ وَيَتَأَتَّى ذَلِكَ بِأَنْ يَبْنِيَ الشَّرِيكَانِ فِي الْمُشْتَرَكِ ثُمَّ يَقْتَسِمَا الْأَرْضَ غَيْرَ مَوْضِعِ الْبِنَاءِ فَيَبْقَى الْبِنَاءُ، وَمَوْضِعُهُ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَالشَّرِيكُ أَوْلَى أَمَّا فِي مَوْضِعِ الْبِنَاءِ فَظَاهِرٌ لِكَوْنِهِ شَرِيكًا فِيهِ، وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ أَخَصُّ بِهِ حَيْثُ كَانَ شَرِيكًا فِي الْبَعْضِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْجَارِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ هُوَ وَالْجَارُ سَوَاءٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجِدَارِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الشُّفْعَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجِدَارِ بِالْجِوَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجِيرَانِ يُسَاوُونَهُ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْجِيرَانِ شَرِيكًا فِي مَنْزِلٍ مِنْ الدَّارِ أَوْ بَيْتٍ مِنْهَا فَبِيعَتْ الدَّارُ كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِالْمَنْزِلِ لِمَا ذَكَرْنَا وَاسْتَوَوْا فِي الْبَقِيَّةِ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّهُمْ جِيرَانٌ فِي حَقِّ الْبَقِيَّةِ.
وَكَذَا لَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا بِئْرٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ غَيْرِ شَرِيكِهِ فِي الدَّارِ فَبَاعَهَا كَانَ الشَّرِيكُ فِي الدَّارِ أَوْلَى بِشُفْعَةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا وَالْآخَرُ جَارٌ وَالشَّرِيكُ فِي الْبِئْرِ أَوْلَى بِالْبِئْرِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا وَالْآخَرُ جَارٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ سُفْلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِ عُلُوٌّ لِأَحَدِهِمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَبَاعَ هُوَ السُّفْلَ وَالْعُلُوَّ كَانَ الْعُلُوُّ لِشَرِيكِهِ فِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلُ لِشَرِيكِهِ فِي السُّفْلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرِيكٌ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ فِي حَقِّهِ وَجَارٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ أَوْ شَرِيكٌ فِي الْحَقِّ إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ بِالْبَيْعِ) أَيْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِالْبَيْعِ وَتُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ إذَا كَانُوا كَثِيرِينَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ فَأَشْبَهَ الْغَلَّةَ وَالرِّبْحَ وَالْوَلَدَ وَالثَّمَرَةَ، وَلَنَا أَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِوُجُودِ عِلَّةِ اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ أَخَذَ الْكُلَّ وَالِاسْتِوَاءُ فِي الْعِلَّةِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ، وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ بَلْ بِقُوَّةٍ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ، وَكَذَا صَاحِبُ الْجِرَاحَاتِ مَعَ صَاحِبِ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْحَزِّ مَعَ الْجُرْحِ فَإِنَّ الْحَزَّ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَوْتُ فَكَانَ أَوْلَى بِإِضَافَةِ الْمَوْتِ إلَيْهِ.
وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمِلْكِ فَيُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَتَمَلُّكُ مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ مِلْكِهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ بَلْ الْعِلَّةُ أَصْلُ الْمِلْكِ لَا قَدْرُهُ وَالْحُكْمُ لَا يُزَادُ بِزِيَادَةِ الْعِلَّةِ، وَلَوْ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَهُمْ كَانَ لِمَنْ بَقِيَ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لِاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ قَدْ وُجِدَ وَتَقَرَّرَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَالتَّشْقِيصُ لِلْمُزَاحَمَةِ، وَقَدْ زَالَتْ، وَنَظِيرُهُ الرَّهْنُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْفَى الْبَعْضَ أَوْ كَانَ رَهْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ فَقُضِيَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ التَّارِكِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ قَطَعَ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا يَقْضِي بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَطْلُبَ فَلَا يُؤَخَّرُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إذَا حَضَرَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ قُضِيَ لَهُ بِهَا لِتَحَقُّقِ طَلَبِهِ غَيْرَ أَنَّ الْغَائِبَ إذَا كَانَ يُقَاسِمُهُ الْحَاضِرُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالْكُلِّ إذَا أَسْقَطَ الْحَاضِرُ حَقَّهُ لِتَحَقُّقِ انْقِطَاعِ حَقِّهِ عَنْ الْبَاقِي بِالْقَضَاءِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قُضِيَ لَلشَّرِيك ثُمَّ تُرِكَ لَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ لَلشَّرِيك انْقَطَعَ حَقُّهُ وَبَطَلَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ وَيَتْرُكَ الْبَعْضَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْقَرَاحُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ شَيْءٌ كَذَا فِي تَهْذِيبِ الدِّيوَانِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَالِاسْتِوَاءُ إلَخْ) لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَارًا مُلَاصِقًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ مُلَاصِقٌ مِنْ ثَلَاثَةِ جَوَانِبَ فَهُمَا سَوَاءٌ. اهـ شَرْحِ مُغْنِي لِلَّقَانِيِّ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَزِّ) أَيْ حَزِّ الرَّقَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ) أَيْ لِمَنْ بَقِيَ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute