للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الدَّائِمِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكُلُّ مَا كَانَ أَكْثَرَ اتِّصَالًا كَانَ أَخَصَّ بِالضَّرَرِ، وَأَشَدَّ تَعَبًا مَعَهُ فَكَانَ أَحَقَّ بِهَا لِقُوَّةِ الْمُوجِبِ لَهَا فَلَيْسَ لِلْأَضْعَفِ أَنْ يَأْخُذَ مَعَ وُجُودِ الْأَقْوَى إلَّا إذَا تَرَكَ فَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ إذَا أَشْهَدَ بِأَنَّهُ يَطْلُبُهَا عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ ذَلِكَ سَقَطَ حَقُّهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ، وَإِنْ تَرَكَ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِهِ قُلْنَا تَحَقُّقُ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ لِقُوَّتِهِ فَإِذَا تَرَكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ، وَهُوَ نَظِيرُ دَيْنِ الصِّحَّةِ مَعَ دَيْنِ الْمَرَضِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ لِقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا قُسِمَتْ الدَّارُ وَحُدِّدَتْ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْجَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَاسِمُ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عِنْدَهُ فِي الْمُشْتَرَكِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالْبِئْرِ وَالْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ لِوُقُوعِ الْأَمْنِ مِنْ لُزُومِ الْمُؤْنَةِ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ لِلْجَارِ بِقِسْمَةِ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ مِنْهُ وَحَقُّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَقِّهِمْ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ، وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ مَشْرُوعَةٌ، وَكَيْفَ يَجُوزُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْمُشْتَرِي بِأَخْذِ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِدَفْعِ حُكْمٍ مَشْرُوعٍ، وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ دَفْعُ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ بِسُوءِ الْعِشْرَةِ عَلَى الدَّوَامِ، وَلَوْ كَانَ لِدَفْعِ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ لَوَجَبَتْ فِي الْمَنْقُولِ، وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ خَاصًّا أَيْ الشِّرْبُ أَوْ الطَّرِيقُ إنْ كَانَ خَاصًّا يَسْتَحِقُّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَاصًّا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَافِذٍ، وَإِنْ كَانَ نَافِذًا فَلَيْسَ بِخَاصٍّ، وَإِنْ كَانَتْ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ تَتَشَعَّبُ مِنْهَا سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَبِيعَتْ دَارٌ فِي السُّفْلَى فَلِأَهْلِهَا الشُّفْعَةُ دُونَ أَهْلِ الْعُلْيَا.

وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ فِي الْعُلْيَا فَلِأَهْلِ السِّكَّتَيْنِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ فِي الْعُلْيَا حَقًّا لِأَهْلِ السِّكَّتَيْنِ حَتَّى كَانَ لَهُمْ كُلِّهِمْ أَنْ يَمُرُّوا فِيهَا، وَلَيْسَ فِي السُّفْلَى حَقٌّ لِأَهْلِ الْعُلْيَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُمْ أَنْ يَمُرُّوا فِيهَا، وَلَا لَهُمْ فَتْحُ الْبَابِ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. وَالشِّرْبُ الْخَاصُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا صَغِيرًا لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ فَلَيْسَ بِخَاصٍّ فَإِذَا بِيعَ أَرْضٌ مِنْ الْأَرَاضِي الَّتِي يُسْقَى مِنْهَا لَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُ النَّهْرِ الشُّفْعَةَ بِسَبَبِهِ، وَالْجَارُ أَحَقُّ مِنْهُمْ بِخِلَافِ النَّهْرِ الصَّغِيرِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ أَهْلُهُ لَا يُحْصَوْنَ فَهُوَ كَبِيرٌ، وَإِنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ فَهُوَ صَغِيرٌ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مَا يُحْصَى، وَمَا لَا يُحْصَى فَبَعْضُهُمْ قَدَّرَ مَا لَا يُحْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِأَرْبَعِينَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَاصُّ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ قَرَاحَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَامٌّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كَالصِّرَاطِ يُقَالُ دَارُ فُلَانٍ بِسَقَبِ دَارِ فُلَانٍ أَيْ بِقُرْبٍ مِنْهَا وَأَبْيَاتُ الْقَوْمِ مُتَسَاقِبَةٌ أَيْ مُتَقَارِبَةٌ وَسَقِبْت الدَّارَ، وَأَسْقَبْت لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ وَالْمَنْزِلُ سَقَبٌ، وَمُسْقَبٌ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ إلَخْ)، وَعِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لَا شُفْعَةَ بِالْجِوَارِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَمَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْجَارَ لَهُ شُفْعَةٌ كَذَا ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ) أَيْ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يُعْقَلُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعَانِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الشُّفْعَةُ تُسْتَحَقُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا بِثَلَاثَةِ مَعَانٍ بِالشَّرِكَةِ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ بِالشَّرِكَةِ فِي حُقُوقِ ذَلِكَ أَوْ بِالْجِوَارِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: دَارٌ بَيْنَ قَوْمٍ فِيهَا مَنَازِلُ لَهُمْ فِيهَا شَرِكَةٌ بَيْنَ بَعْضِهِمْ، وَفِيهَا مَا هِيَ مُفْرَدَةٌ لِبَعْضِهِمْ وَسَاحَةُ الدَّارِ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَهُمْ يَتَطَرَّقُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ فِيهَا وَبَابُ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْمَنَازِلُ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَبَاعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي الْمَنْزِلِ نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ بِحُقُوقِهِ مِنْ الطُّرُقِ فِي السَّاحَةِ وَغَيْرِهَا فَالشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الشَّرِيكِ فِي السَّاحَةِ، وَمِنْ الشَّرِيكِ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي فِيهِ بَابُ الدَّارِ فَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِلِ الشُّفْعَةَ فَالشَّرِيكُ فِي السَّاحَةِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ فِي السَّاحَةِ فَالشَّرِيكُ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي لَا مَنْفَذَ لَهُ الَّذِي يُشْرَعُ فِيهِ بَابُ الدَّارِ أَحَقُّ بَعْدَهُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْجَارِ الْمُلَاصِقِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الزُّقَاقِ الَّذِينَ طَرِيقُهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ فِي الشُّفْعَةِ مَنْ كَانَ فِي أَدْنَاهُ، وَأَقْصَاهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ سَلَّمَ الشُّرَكَاءُ فِي الزُّقَاقِ فَالْجَارُ الْمُلَاصِقُ مِمَّنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي الزُّقَاقِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْمُلَاصِقِ مِنْ الْجِيرَانِ شُفْعَةٌ مِمَّنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي الزُّقَاقِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي دَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِرَجُلٍ فِيهَا طَرِيقٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ فَشَرِيكُهُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ الطَّرِيقِ قَالَ: وَقَالَ وَكَذَلِكَ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا حَائِطٌ فِي الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ يَعْنِي بِأَرْضِهِ فَبَاعَ الَّذِي لَهُ شِرْكٌ فِي الْحَائِطِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ وَالْحَائِطِ قَالَ فَالشَّرِيكُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ الدَّارِ وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّرِيكِ فِي الْحَائِطِ فِي الدَّارِ، وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْحَائِطِ وَأَرْضِهِ، وَكَذَلِكَ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا بِئْرٌ فِي الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ فَبَاعَ الَّذِي لَهُ الشِّرْكُ فِي الْبِئْرِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ وَالْبِئْرِ فَالشَّرِيكُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ الدَّارِ، وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّرِيكِ فِي الْبِئْرِ فِي الدَّارِ، وَلَهُ شُفْعَةٌ فِي الْبِئْرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَرَاحَانِ) الْقَرَاحُ الْأَرْضُ الْبَارِزَةُ الَّتِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِهَا شَيْءٌ وَالْمَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>