قَالَ «فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِي الْآمَّةِ وَيُرْوَى الْمَأْمُومَةُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ»، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَكَمَ فِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ؛ وَلِأَنَّهَا إذَا نَفَذَتْ صَارَتْ جَائِفَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالْبَطْنِ بِخِلَافِ سَائِرِ الشِّجَاجِ حَيْثُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَقِيلَ لَا تَتَحَقَّقُ الْجَائِفَةُ فِيمَا فَوْقَ الْحَلْقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْحَارِصَةِ وَالدَّامِعَةِ وَالدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ حُكُومَةُ عَدْلٍ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُهَا فَتَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْحُكُومَةِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْسِيرُهَا أَنْ يَقُومَ مَمْلُوكًا بِدُونِ هَذَا الْأَثَرِ، ثُمَّ يَقُومُ وَبِهِ هَذَا الْأَثَرُ، ثُمَّ يُنْتَظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ عُشْرِ الْقِيمَةِ مَثَلًا يَجِبُ ثُلُثُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يَجِبُ رُبْعُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَيَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ فَرُبَّمَا يَكُونُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُوجِبَ فِي هَذِهِ الشِّجَاجِ وَهُوَ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ فِي الْمُوضِحَةِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ، بَلْ الصَّحِيحُ الِاعْتِبَارُ بِالْمِقْدَارِ، وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْظُرُ الْمُفْتِي فِي هَذَا إنْ أَمْكَنَهُ الْفَتْوَى بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يُفْتِي بِالثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ. قَالَ وَكَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي بِهِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُنْظَرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ أَقَلِّ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهُ مِثْلَ نِصْفِ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ أَوْ ثُلُثَهَا وَجَبَ نِصْفُ أَوْ ثُلُثُ أَرْشِ تِلْكَ الشَّجَّةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعًا فَرُبْعٌ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَالِثًا وَإِلَّا شُبِّهَ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْتَبَرَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَنْ قُطِعَ طَرَفُ لِسَانِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قِصَاصَ فِي غَيْرِ الْمُوضِحَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ السِّكِّينُ وَمَا فَوْقَهَا كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ»، وَهَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَسْرُ الْعَظْمِ وَلَا خَوْفُ التَّلَفِ كَالْجَائِفَةِ فَيُسْبَرُ غَوْرُهَا بِمِسْبَارٍ، ثُمَّ يُتَّخَذُ حَدِيدَةٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيُقْطَعُ بِهَا مِقْدَارُ مَا قُطِعَ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِذَلِكَ وَفِي الْمُوضِحَةِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ»؛ وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهَا مُمْكِنَةٌ بِإِنْهَاءِ السِّكِّينِ إلَى الْعَظْمِ فَيَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ) أَيْ أَصَابِعُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ لِمَا رَوَيْنَا، فَيَكُونُ فِي الْخَمْسَةِ خَمْسُونَ ضَرُورَةً وَهُوَ النِّصْفُ؛ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَصَابِعِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَهُوَ الْمُوجِبُ عَلَى مَا مَرَّ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَعَ الْكَفِّ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ قَطَعَهَا مَعَ الْكَفِّ وَلَا يَزِيدُ الْأَرْشُ بِسَبَبِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ فِي حَقِّ الْبَطْشِ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهَا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَالْيَدُ اسْمٌ لِجَارِحَةٍ يَقَعُ بِهَا الْبَطْشُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَالْبَطْشُ يَقَعُ بِالْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ فَيَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَيَكُونُ الْكَفُّ تَبَعًا لِلْأَصَابِعِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَعَ نِصْفِ سَاعِدٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ) أَيْ إذَا قُطِعَ الْكَفُّ مَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحُكُومَةُ عَدْلٍ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ وَالْحُكُومَةُ فِي نِصْفِ السَّاعِدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْأَصَابِعِ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) كَذَا فِي الْكَافِي. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute