للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَحِقَتْهُ الْعُهْدَةُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ وَيُحْبَسَ الْمَبِيعَ عَنْهُ فَيَصِيرَ الْحَقُّ كَالْمُعَلَّقِ بِالْبَيْعِ فَيَخْرُجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ نَسِيئَةً فَاشْتَرَاهُ كَمَا أَمَرَهُ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ لَهُ دُونَ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ نَسِيئَةً لَمْ يَمْلِكْ حَبْسَ الْمَبِيعِ فَظَهَرَ مَعْنَى التَّبَرُّعِ بِالْتِزَامِ الدَّيْنِ فَلَا يَصِحُّ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ أَيْضًا إلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ لِقُصُورِ أَهْلِيَّةِ الصَّبِيِّ وَلِحَقِّ مَوْلَى الْعَبْدِ فَتَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الرَّسُولِ وَالْقَاضِي وَأَمِينِهِ ثُمَّ الْعَبْدُ إذَا عَتَقَ تَلْزَمُهُ تِلْكَ الْعُهْدَةُ.

وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ لَا تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ لُزُومِ الْعُهْدَةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حَقُّ الْمَوْلَى إذْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ وَقَدْ زَالَ حَقُّهُ فَيَلْزَمُهُ وَالْمَانِعُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ حَقُّ نَفْسِهِ وَلَا يَزُولُ بِالْبُلُوغِ وَلَوْ قَبَضَهُ مَعَ هَذَا يَصِحُّ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ فَكَانَ أَصِيلًا فِيهِ فَانْتِفَاءُ اللُّزُومِ لِمَا ذَكَرْنَا لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْجَوَازِ وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُرْتَدًّا جَازَ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ فَتُعْتَبَرُ عِبَارَتُهُ وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهِيَ فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي تَصَرُّفَاتِهِ لِنَفْسِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِيمَا يُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ عَنْ إنْكَارٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ فَلَا يُطَالَبُ وَكِيلُهُ بِالْمَهْرِ وَلَا وَكِيلُهَا بِتَسْلِيمِهَا) أَيْ فِي كُلِّ عَقْدٍ يُضِيفُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَحُقُوقُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَقَعَ النِّكَاحُ لَهُ فَصَارَ كَالرَّسُولِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ صَادِرًا مِنْ شَخْصٍ عَلَى سَبِيلِ الْأَصَالَةِ، وَالْحُكْمُ وَاقِعٌ لِغَيْرِهِ فَجَعَلْنَاهُ سَفِيرًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ، أَمَّا غَيْرُ النِّكَاحِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ مَالِكِيَّتُهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ فَكَانَ النِّكَاحُ إسْقَاطًا لِلْحُرْمَةِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ ضَرُورَةً لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَطْءِ وَلِهَذَا لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَسْخِ وَالتَّمْلِيكِ مِنْ الْغَيْرِ وَفِيمَا وَرَاءَ الْوَطْءِ فَهُوَ إسْقَاطٌ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ إذْ الْحُرْمَةُ تُنَافِي الْمِلْكَ وَالسَّاقِطُ مُتَلَاشٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ ثُمَّ يَسْقُطَ ثَانِيًا فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ بِالِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَكَانَ حُكْمُ النِّكَاحِ ثَابِتًا لِمَنْ أُضِيفَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْمُوَكِّلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَجَازَ أَنْ يَصْدُرَ السَّبَبُ مِنْ شَخْصٍ أَصَالَةً وَيَقَعَ الْحُكْمُ لِغَيْرِهِ.

وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحِلَّ فِيهِ خُلِقَ مُبَاحًا وَقَابِلًا لِلتَّمْلِيكِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَهُ شَخْصٌ ثُمَّ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى شَخْصٍ وَجَازَ أَنْ يَصْدُرَ السَّبَبُ مِنْ شَخْصٍ وَيَقَعَ الْحُكْمُ لِغَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ غَيْرَ أَصْلٍ إذْ جَوَازُ الِانْتِقَالِ عَنْهُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَخَوَاتِ هَذَا النَّوْعِ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالْهِبَةُ وَالتَّصَدُّقُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِيدَاعُ وَالْإِقْرَاضُ وَالرَّهْنُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَأَنَّهُ يُلَاقِي مَحِلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا فِيهِ بَلْ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَكَذَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ فِيهِ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَلْتَزِمُ بَدَلَ الْقَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِيرُ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ بِعْ شَيْئًا مِنْ مَالِك عَلَى أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ لِي وَنَظِيرَ التَّوْكِيلِ بِالشَّحَّاثَةِ فَكَانَ بَاطِلًا وَمَا اسْتَقْرَضَهُ فَهُوَ لِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْأَمْرِ وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَدَلٌ يَلْزَمُهُ حَتَّى يَكُونَ بَيْعُ مَالِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَالْوَكِيلُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَحِلِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِيهِ فَصَارَ سَفِيرًا عَنْ الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَارَةِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ وَحُقُوقُهُ بِهَا وَهِيَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ أَجْنَبِيًّا بَلْ أَصِيلًا فِيهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلِلْمُشْتَرِي مَنْعُ الْمُوَكِّلِ عَنْ الثَّمَنِ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ إنَّ الْمُوَكِّلَ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ لَهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُوَكِّلِ (صَحَّ وَلَا يُطَالِبُهُ الْوَكِيلُ ثَانِيًا)؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لَكِنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ وَكَّلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ إنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الِاسْتِقْرَاضَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا أَوْ قَالَ أَقْرِضْ فُلَانًا كَذَا كَانَ الْقَرْضُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْ الِاسْتِقْرَاضَ لِلْمُوَكِّلِ يَكُونُ الْقَرْضُ لِلْوَكِيلِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِالْمُبَاحَاتِ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاسْتِقَاءِ وَاسْتِخْرَاجِ الْجَوْهَرِ مِنْ الْمَعَادِنِ فَمَا أَصَابَ الْوَكِيلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ وَكَذَا التَّوْكِيلُ بِالتَّكَدِّي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَسَائِلُ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ وَالتَّوْكِيلُ بِقَبْضِ الْقَرْضِ يَصِحُّ بِأَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ: أَقْرِضْنِي ثُمَّ يُوَكِّلُ رَجُلًا بِقَبْضِهِ صَحَّ اهـ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ: وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَ الْوَكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَبَيْنَ مُوَكِّلِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ قَبَضْت الْمَالَ مِنْ الْمُقْرِضِ وَدَفَعْت إلَى الْمُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يُرِيدُ بِهَذَا إلْزَامَ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إيجَابِ الْمَالِ عَلَى الْمُوَكِّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَظِيرُ التَّوْكِيلِ بِالشَّحَّاثَةِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي بَابِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالشَّحَّاذُ الْمُلِحُّ فِي مَسْأَلَتِهِ وَعَوَامُّ الْعِرَاقِيِّينَ يَقُولُونَ شَحَّاثٌ بِالثَّاءِ وَيُخْطِئُونَ فِيهِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>