للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْضًا، وَلَهُمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ تَنَاوَلَ مَا لَيْسَ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَلَا يُضَافُ وُجُوبُ الْحَدِّ إلَى الْخُصُومَةِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ مُضَافٌ إلَى الْجِنَايَةِ وَظُهُورُهُ مُضَافٌ إلَى الشَّهَادَةِ وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ مَحْضٌ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْوُجُوبِ وَلَا فِي الظُّهُورِ إذْ الْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ وَيُمْكِنُ التَّدَارُكُ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّوْكِيلُ بِالْجَوَابِ مِنْ جَانِبِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ، وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِ وَقَعَ بِدَفْعِ دَعْوَى الْقِصَاصِ وَالْحُدُودُ وَدَفْعُهَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ غَيْرَ أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْأَمْرِ بِهِ وَالتَّوَكُّلُ بِإِثْبَاتِ حَدِّ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ، وَإِنَّمَا تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ، فَإِذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ بِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحُقُوقُ فِيمَا يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إقْرَارٍ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِهِ، وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَالرُّجُوعُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ وَالْمِلْكِ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا يُعْتَقُ قَرِيبُ الْوَكِيلِ بِشِرَائِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَبَعٌ لِلْحُكْمِ وَلَيْسَتْ بِأَصْلٍ، وَالْوَكِيلُ لَيْسَ بِأَصْلٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ أَصْلًا فِي حَقِّ الْحُقُوقِ الَّتِي هِيَ مِنْ تَوَابِعِ الْحُكْمِ فَصَارَ كَالرَّسُولِ وَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ وَأَخَوَاتِهِ وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ أَصْلٌ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقُومُ بِالْكَلَامِ وَصِحَّةُ كَلَامِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ آدَمِيًّا عَاقِلًا فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ بِالتَّصَرُّفِ وَأَفْعَالِهِ غَيْرَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا اسْتَنَابَهُ فِي تَحْصِيلِ الْحُكْمِ جَعَلْنَاهُ نَائِبًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلضَّرُورَةِ كَيْ لَا يَبْطُلَ مَقْصُودُهُ وَرَاعَيْنَا الْأَصْلَ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْعَقْدِ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ كَانَ سَفِيرًا كَمَا زَعَمَ لَمَا اسْتَغْنَى عَنْ إضَافَتِهِ إلَيْهِ كَالرَّسُولِ وَكَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ وَأَخَوَاتِهِ حَتَّى إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهِ وَإِيقَاعُ الْحُكْمِ لِلْمُوَكِّلِ.

فَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ كَانَ أَصِيلًا فِيهِ فَيَقَعُ لَهُ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ فِيهِ وَهِيَ الْحُقُوقُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَقَبْضُهُ وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُهُ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ مَا بَاعَ أَوْ رُجُوعُهُ هُوَ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ مَا اشْتَرَى وَالْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ لَهُ فِي رِوَايَةٍ بَلْ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً خِلَافَةً عَنْهُ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَكِيلَ أَصْلٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ لَكِنْ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَخْلُفُهُ الْمُوَكِّلُ فَيَقَعُ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِيهِ كَالْعَبْدِ تَيَّهِبُ أَوْ يَصْطَادُ وَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ بِالْوَكَالَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً إلَخْ وَكَذَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْوَكَالَةِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي حَقِّ الْحُقُوقِ لَمْ يَخْلُفْهُ، فَإِذَا كَانَ أَصْلًا فِي حَقِّ الْحُقُوقِ جَازَ تَوْكِيلُهُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْمُوَكِّلِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا، وَفِي قَوْلِهِ: تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ لَهُمَا تَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْحُقُوقُ وَتَلْزَمُهُمَا الْعُهْدَةُ مُطْلَقًا وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ جَازَ بَيْعُهُ وَلَزِمَتْهُ الْعُهْدَةُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ، فَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بَلْ تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ حَتَّى يُطَالِبَ الْبَائِعَ الْآمِرَ بِالثَّمَنِ دُونَ الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ ضَمَانُ كَفَالَةٍ وَلَيْسَ بِضَمَانِ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ مَا يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلضَّامِنِ فِي الْمُشْتَرِي وَهَذَا لَا يُفِيدُهُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ وَاسْتَوْجَبَ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى مُوَكِّلِهِ.

وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْكَفَالَةِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْعُهْدَةُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ ثَمَنٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ مَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْمُشْتَرَى وَهُنَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، فَإِنَّهُ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرَى لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ حَبْسَهُ بِهِ فَكَانَ ضَمَانَ كَفَالَةٍ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَفِي الْإِيضَاحِ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِالنَّقْدِ فَاشْتَرَى كَمَا أَمَرَهُ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَكَلَامُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: أَظْهَرُ) أَيْ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ كَانَ أَصِيلًا فِيهِ فَيَقَعُ لَهُ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ) أَمَّا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ فَقَدْ حَكَى الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فِيهِ خِلَافًا وَحَكَى ابْنُ فِرِشْتَا الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ وَعَزَاهُ لِلْفُصُولِ وَفِيهِ مَا فِيهِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>