للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْقَبْضِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فِيهِ مَقَامَهُ وَبِخِلَافِ الرِّسَالَةِ بِالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُرْسِلِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ مُعَبِّرٌ وَالْعِبَارَةُ مِلْكُ الْمُرْسِلِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ فَيَصِحُّ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَغَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ لِلْوَكِيلِ وَلِهَذَا حُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ جَائِزٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالْخُصُومَةِ فِي الْحُقُوقِ بِرِضَا الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا مُدَّةَ السَّفَرِ أَوْ مُرِيدًا لِلسَّفَرِ أَوْ مُخَدَّرَةً) أَيْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ بِشَرْطِ أَنْ يَرْضَى الْخَصْمُ إلَّا إذَا كَانَ مَعْذُورًا بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَا: يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَ بِمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ فَيَصِحُّ بِدُونِ رِضَا الْخَصْمِ كَالتَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ وَالْإِيفَاءِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى تَجْوِيزِهِ بِهَا إذَا لَا يَهْتَدِي إلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ أَوْ لَا يَرْضَى بِهَا عِنْدَ الْحُكَّامِ كُلُّ أَحَدٍ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَحْضُرُ خُصُومَةً أَبَدًا وَكَانَ يَقُولُ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُهَا وَإِنَّ لَهَا قُحْمًا وَكَانَ إذَا خُوصِمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ وَكَّلَ عَقِيلًا فَلَمَّا كَبُرَ عَقِيلٌ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ فَقَالَ هُوَ وَكِيلِي فَمَا قُضِيَ عَلَيْهِ وَمَا قُضِيَ لَهُ فَهُوَ لِي وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهَا بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا خَصْمِهِ فَكَذَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ التَّوْكِيلَ حَوَالَةٌ وَهِيَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَكَذَا التَّوْكِيلُ وَهَذَا لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَخْتَلِفُ وَالْجَوَابُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ الْحَوَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ هُوَ أَلَدُّ وَأَشَدُّ إنْكَارًا وَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ الْتِزَامِهِ كَالْحَوَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهِ عُذْرٌ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إسْقَاطُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِهِ وَفِي عُدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى هَيْئَةُ مَنْ يُسَافِرُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ مِنْ الْخَصْمِ التَّعَنُّتَ فِي الْإِبَاءِ مِنْ قَبُولِ التَّوْكِيلِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَقْبَلُ التَّوْكِيلَ مِنْ الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ قَصْدَ الْإِضْرَارِ بِخَصْمِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ إلَّا بِرِضَاهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْحَيْضُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَبْسُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْقَاضِي الَّذِي تَرَافَعُوا إلَيْهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِيفَائِهَا وَاسْتِيفَائِهَا إلَّا فِي حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ) أَيْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِيفَاءُ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَا يُسْتَوْفَى بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَوْعِ شُبْهَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلَنَا أَنَّهُ عُقُوبَةٌ فَيَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ قَدْ عَفَا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ إذْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥] بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَفْوِ وَقَدْ يَحْتَاجُ الْمُوَكِّلُ إلَى ذَلِكَ لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ أَوْ لِأَنَّ قَلْبَهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْبَةِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ نَادِرٌ فَلَا يُتَوَهَّمُ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِذَا قَامَتْ وَثَبَتَ الْحَقُّ فَلِلْمُوَكِّلِ اسْتِيفَاؤُهُ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِإِثْبَاتِهَا أَيْضًا كَمَا لَا يَجُوزُ بِاسْتِيفَائِهَا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا رِضَا الْخَصْمِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا وَقِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ، وَأَمَّا حَالُ حَضْرَتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ يُوجَدُ مِنْ الْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ عَلَى الْوَكِيلِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَكِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ عَنْ الْأَصْلِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِبْدَالِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا مِنْ الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ بَدَلٌ عَنْ الْعِبَارَةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِثْبَاتِ الِاسْتِيفَاءُ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بِهِ لَا يَصِحُّ بِالْإِثْبَاتِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

يُزَوِّجَ لَهُ مُسْلِمَةً جَازَ وَإِنْ كَانَ الذِّمِّيُّ لَا يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِالْمُسْلِمَةِ لِنَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الرِّسَالَةِ بِالِاسْتِقْرَاضِ) بِأَنْ يَقُولَ: أَرْسَلَنِي فُلَانٌ إلَيْك يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا الْوَكِيلُ مَنْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ وَالرَّسُولُ مَنْ يُبَلِّغُ الْمُبَاشِرَ وَالسِّلْعَةُ أَمَانَةٌ فِي أَيْدِيهِمَا. اهـ. تَهْذِيبُ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَى تَجْوِيزِهِ بِهَا) أَيْ إلَى تَجْوِيزِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: قُحَمًا) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْحَاءِ اهـ وَالْقُحْمَةُ الشِّدَّةُ وَالْوَرْطَةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْخُصُومَةِ وَإِنَّ لَهَا لَقُحَمًا وَفَتْحُ الْقَافِ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ اهـ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَمًا هِيَ الْأُمُورُ الْعَظِيمَةُ الشَّاقَّةُ وَاحِدَتُهَا قُحْمَةٌ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْقُحْمَةُ بِالضَّمِّ الْأَمْرُ الشَّاقُّ لَا يَرْكَبُهُ أَحَدٌ وَالْجَمْعُ قُحَمٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>