للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمَنَ أَوْ النَّوْعَ بِأَنْ قَالَ عَبْدًا تُرْكِيًّا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بِبَيَانِ الثَّمَنِ يُعْلَمُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ يُرِيدُ وَبِبَيَانِ النَّوْعِ يُعْلَمُ ثَمَنُهُ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرَةً وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْجِنْسِ حَيْثُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِنْ بُيِّنَ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَلَا يُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمَرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ صَحَّ سَمَّى ثَمَنًا أَوْ لَا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْقَ الْجَهَالَةُ بَعْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ إلَّا فِي الصِّفَةِ وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ بِأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهِ إذْ اخْتِلَافُ الصِّفَةِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ أَصْلِ الْمَقْصُودِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مِثْلِهِ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ بِبَيَانِ جِنْسِ الْمُثَمَّنِ يَصِيرُ مَعْلُومًا عَادَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ وَلِأَنَّا لَوْ شَرَطْنَا الِاسْتِقْصَاءَ فِي الصِّفَةِ وَالْبَيَانِ فِي النَّوْعِ رُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْقِيَامِ بِذَلِكَ وَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ وَحُرِجُوا وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ جَازَ إنْ سَمَّى ثَمَنًا وَإِلَّا لَا)؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَلَيْسَتْ بِفَاحِشَةٍ وَلَا يَسِيرَةٍ، فَإِذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُ عُلِمَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ مَقْصُودُهُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْعَبِيدِ مَعْلُومٌ بَيْنَ النَّاسِ وَالْتَحَقَ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ بِذَلِكَ فَجَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنَهُ الْتَحَقَ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَلَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ الْعَمَلِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَبِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ النَّظَرِ وَالْجَمَالِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنَّ الْجَمَالَ مَنْفَعَةٌ مَطْلُوبَةٌ مِنْ بَنِي آدَمَ وَلِهَذَا جُعِلَ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ مِنْ بَنِي آدَمَ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ الْجَمَالُ لِكَوْنِهِ مَجْمَعَ الْمَحَاسِنِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ يَخْتَلِفُ التُّرْكِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَالسِّنْدِيُّ وَالْحَبَشِيُّ وَالتَّكْرُورِيُّ وَكَذَا إذَا بَيَّنَ نَوْعَهُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِمَقْصُودِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ إذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومَ النَّوْعِ فَعِنْدَ التَّصْرِيحِ بِنَوْعِهِ أَوْلَى أَنْ تَجُوزَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا) يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ فِي الْجِنْسِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الِامْتِثَالِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ نَوْعٍ يَشْتَرِيهِ الْوَكِيلُ مِنْ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ إلَّا وَيُمْكِنُ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي عَنَيْتُ خِلَافَهُ

وَالْأَمْرُ بِمَا لَا يُمْكِنُ الِامْتِثَالُ بِهِ بَاطِلٌ فَتَخَلَّصَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْجِنْسِ لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي النَّوْعِ تَجُوزُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ مَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ كَانَتْ أَنْوَاعًا، فَإِنْ ذُكِرَ الثَّمَنُ أَوْ النَّوْعُ جَازَتْ وَالْتَحَقَ بِالثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْتَحَقَ بِالْأَوَّلِ فَلَمْ تَجُزْ وَالْجِنْسُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُتَغَايِرَةٌ وَالنَّوْعُ اسْمٌ لِأَحَدِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمٍ فَوْقَهُ، وَقِيلَ: الْجِنْسُ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالنَّوْعِ وَالنَّوْعُ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالشَّخْصِ وَقِيلَ كُلُّ اسْمٍ مُنْتَظِمٍ أَشْيَاءَ نَوْعٌ بِاعْتِبَارِ مَا فَوْقَهُ جِنْسٌ بِاعْتِبَارِ مَا دُونَهُ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ بِأَنْ قَالَ: ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْتَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ لَهُ يَكُونُ مُمْتَثِلًا.

وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي بِأَلْفٍ ثِيَابًا أَوْ دَوَابَّ أَوْ أَشْيَاءَ أَوْ مَا شِئْتَ أَوْ مَا رَأَيْتَ أَوْ أَدْنَى شَيْءٍ حَضَرَك أَوْ مَا يُوجَدُ أَوْ مَا يَتَّفِقُ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ دَلَالَةُ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِأَلْفٍ أَوْ بِعْ جَازَتْ الْوَكَالَةُ وَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْأَلْفِ مِنْهُ وَيَصِيرُ الْبَائِعُ قَابِضًا لِلْآمِرِ أَوَّلًا بِحُكْمِ الْقَرْضِ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: اجْعَلْهُ بِضَاعَةً لِي؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبِضَاعَةِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ عَامٌّ فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ لِي مَا بَدَا لَك أَوْ قَالَ سَلَّطْتُك عَلَى الشِّرَاءِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَذِنْتُ لَك أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الثَّمَنَ أَوْ الصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ: تُرْكِيًّا أَوْ هِنْدِيًّا أَوْ رُومِيًّا صَحَّتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ أَوْ الصِّفَةَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي أَكْثَرُ مِنْ اخْتِلَافِ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ وَعَادَةُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ فَكَانَتْ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَكَذَا الدَّارُ مُلْحَقَةٌ بِالْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ وَكَثْرَتِهَا، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ بِدُونِ بَيَانِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلَّةِ وَبِمَا سُمِّيَ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي حِنْطَةً لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ عَدَدَ الْقُفْزَانِ أَوْ الثَّمَنَ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَمَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ أَوْ الثَّمَنَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحُرِجُوا) حَرَجَ صَدْرُهُ ضَاقَ حَرَجًا مِنْ بَابِ لَبِسَ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً أَوْ عَبْدًا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَبِيدَ وَالْجَوَارِيَ مُخْتَلِفُونَ، فَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُوَلَّدًا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ سِنْدِيًّا أَوْ سَمَّى جِنْسًا مِنْ الْأَجْنَاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا وَتَسْمِيَةُ الثَّمَنِ وَتَسْمِيَةُ الْجِنْسِ سَوَاءٌ. اهـ. غَايَةٌ.

ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَقَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ أَمَرَ آخَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ سَمَّى ثَمَنَ الدَّارِ وَبَيَّنَ جِنْسَ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ جَازَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَازَ إنْ سَمَّى ثَمَنًا وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْعَبْدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَهُ أَمَّا إذَا بَيَّنَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْتَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ) أَيْ جَازَتْ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>