عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ) يَعْنِي بِشَهَادَةِ ذِمِّيِّينَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُمَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ وَشَرْطُ انْعِقَادِهِ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ شَطْرَيْ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَمِعَا كَلَامَ الْمَرْأَةِ دُونَ كَلَامِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَهُ عَلَيْهَا تَعْظِيمًا لِجُزْءِ الْآدَمِيِّ لِشَرَفِهِ لَا لِثُبُوتِ مِلْكِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّهَادَةُ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلِلذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى مِثْلِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ بَاشَرَ عَقْدَهَا نَفَذَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّجُلِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُعْتَبَرَةٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّطْرَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّنَاكُرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهَا، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُنْكِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَجَاحَدَا فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ تُقْبَلُ، وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِمَا ثُمَّ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِغَيْرِ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْكَافِرَيْنِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا مُطْلَقًا إلَّا إذَا قَالَا: كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهَا دُونَهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ أَيْضًا لِإِثْبَاتِهِمَا فِعْلَ الْمُسْلِمِ وَلَا يَثْبُتُ فِعْلُهُ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ كَمُسْلِمٍ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ ذِمِّيٍّ فَجَحَدَهُ فَأَقَامَ الْمُسْلِمُ شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ قَضَى لَهُ بِهِ قَاضِي فُلَانٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ فِعْلِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَلَوْ أَسْلَمَا ثُمَّ أَدَّيَا الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ إلَّا إذَا قَالَا: كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ فَزَوَّجَهَا عِنْدَ رَجُلٍ وَالْأَبُ حَاضِرٌ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَاضِرًا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ فَيَبْقَى الْوَكِيلُ الْمُزَوِّجُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَيَكُونُ شَاهِدًا مَعَ الرَّجُلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ غَائِبًا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَبُ مُبَاشِرًا فَلَا يَنْتَقِلُ كَلَامُ الْوَكِيلِ إلَيْهِ فَيَبْقَى الرَّجُلُ وَحْدَهُ شَاهِدًا وَبِهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ امْرَأَةً فَعَقَدَتْ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى، وَالْأَبُ حَاضِرٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ: عِنْدَ رَجُلٍ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ امْرَأَتَيْنِ وَالْأَبُ حَاضِرٌ كَانَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا
وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ مُبَاشَرَتُهُ حَقِيقَةً يُجْعَلُ مُبَاشِرًا حُكْمًا وَإِلَّا فَلَا؛ وَلِهَذَا جُعِلَ الزَّوْجُ وَاطِئًا حُكْمًا بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ مَا لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا حَقِيقَةً أَوْ شَرْعًا، وَكَذَا الْجَاهِلُ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ جُعِلَ عَالِمًا تَقْدِيرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّحْصِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ ابْنَتَهَا الْبَالِغَةَ بِرِضَاهَا بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ جَازَ بِحَضْرَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ لَا لِعَدَمِ الِانْتِقَالِ كَالْأَبِ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَعَقَدَ الْوَكِيلُ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ جَازَ إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ فَزَوَّجَ الْوَكِيلُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَمِعَا كَلَامَ الْمَرْأَةِ دُونَ كَلَامِهِ) قُلْت: وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَرِيبٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الذِّمِّيِّ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مُسْلِمَةٍ لَوْ بَاشَرَ الذِّمِّيَّانِ عَقْدَ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِأَنْ كَانَا وَلِيَّيْنِ لَهَا أَوْ وَكِيلَيْنِ نَفَذَ عَلَى الزَّوْجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مَا ظَهَرَ حَالَ الْمُطَالَعَةِ ثُمَّ وَقَفْت عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا فِي الْغَايَةِ وَهَاكَ عِبَارَتَهَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَهُمَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ يَصْلُحُ وَلِيًّا لِلذِّمِّيَّةِ فِي تَزْوِيجِهَا وَقَابِلًا لِهَذَا الْعَقْدِ فَيَصْلُحُ شَاهِدًا فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ رُكْنٌ لِلْعَقْدِ، وَالشَّهَادَةُ شَرْطُهُ، فَإِذَا قَامَ الَّذِي بِرُكْنِهِ فَبِشَرْطِهِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ) أَيْ مَعَ أَنَّ فِيهِ مَعْنًى عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. غَايَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا مُسْلِمَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَأَسْلَمَا وَشَهِدَا بِالْعَقْدِ عِنْدَ إنْكَارِ الْمُسْلِمِ قُبِلَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ أَيْضًا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: وَبِهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ حُكْمًا وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهِيَ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ بِنَقْلِ مُبَاشَرَةِ الْأَبِ إلَيْهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ أَنْ لَوْ تُصُوِّرَ تَحْقِيقًا وَأَقُولُ: أَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ التَّكَلُّفِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي نِكَاحٍ أَمَرَ بِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَكَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُزَوِّجَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَوِّجُ شَاهِدًا، وَإِذَا انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُبَاشَرَةُ أَيْضًا صَارَ هُوَ الْمُزَوِّجَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ شَاهِدًا. اهـ. أَكْمَلُ (قَوْلُهُ: كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) وَكَذَا قَوْلُهُ: صَغِيرَتَهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَةَ يَقُومُ وَالِدُهَا مَقَامَ شَاهِدٍ هـ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا جُعِلَ الزَّوْجُ وَاطِئًا حُكْمًا بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ) أَيْ فِي حَقِّ تَكْمِيلِ الْمَهْدِ. اهـ. غَايَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute