للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتِيَارٌ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُ السُّلْطَانِ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ خَوْفُ التَّلَفِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ قَادِرٍ وَقَادِرٍ بَلْ فِي غَيْرِ السُّلْطَانِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى عَجَلَةٍ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ فَيَسْتَعْجِلُ قَبْلَ ظُهُورِ الْأَمْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِكْرَاهَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَدُومُ إلَّا نَادِرًا لِأَنَّ الْمُبْتَلَى بِهِ يَسْتَغِيثُ بِالسُّلْطَانِ أَوْ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالسِّلَاحِ أَوْ بِالْحِيَلِ وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ فَكَانَ فِي زَمَنِهِ لِلسُّلْطَانِ قُوَّةٌ وَلَا يَسْتَجْرِئُ أَحَدٌ عَلَى الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْفَسَادِ وَفِي زَمَنِهِمَا ظَهَرَتْ قُوَّةُ الْمُفْسِدِينَ فَأَفْتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَنِهِ وَزَمَانُنَا كَزَمَانِهِمَا أَوْ أَفْسَدُ فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالسُّلْطَانِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِقْرَارٍ إنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ إذَا أَنْكَرَهُ الْآخَرُ وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا إنْ ادَّعَى الْمُنْكِرُ مِنْهُمَا الشُّبْهَةَ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتهَا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ أَنْكَرَ بِأَنْ قَالَ مَا زَنَيْت وَلَمْ يَدَّعِ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ وَجَبَ عَلَى الْمُقِرِّ الْحَدُّ دُونَ الْمُنْكِرِ وَجْهُ الْوِفَاقِيَّةِ أَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالنِّكَاحُ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَلَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمَّاهَا فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَرْأَةِ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا عَمَّا قَالَ فَأَنْكَرَتْ فَحَدَّهُ وَتَرَكَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَتَكْذِيبُ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ تُهْمَةً فِي إقْرَارِهِ خُصُوصًا فِي الْحُدُودِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا وَفُلَانٌ قَتَلْنَا فُلَانًا عَمْدًا وَأَنْكَرَ شَرِيكُهُ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُقْتَصُّ مِنْهُ فَكَذَا هَذَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ بِهِمَا فَانْتِفَاؤُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْآخَرِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْ وَاحِدٍ وَنَظِيرُهُ أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى رَجُلٍ آخَرَ بِأَنْ يَقُولُ زَنَيْت بِهَا أَنَا وَفُلَانٌ وَلِأَنَّ الْمُنْكِرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا بِإِنْكَارِهِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْآخَرِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَيْثُ يُحَدُّ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يُنْكِرَ الْغَائِبُ الزِّنَا أَوْ يَدَّعِيَ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الزِّنَا أَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ يَكُونُ شُبْهَةً وَاحْتِمَالُ ذَلِكَ يَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ يَجِبُ الْمَهْرُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْبِضْعِ شَرْعًا وَلَا يُقَالُ كَيْفَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِإِقْرَارٍ) أَيْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ هِيَ تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَقَالَ الرَّجُلُ تَزَوَّجْتهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَفِيمَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ وَادَّعَى الرَّجُلُ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا الْإِقْرَارُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ كُلَّمَا أَقَرَّ يَرُدُّهُ الْقَاضِي إلَى أَنْ يَعُودَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا هَكَذَا أَوْ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَمَتَى هُوَ وَأَيْنَ هُوَ وَادَّعَى الْآخَرُ النِّكَاحَ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْعُقْرَ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَصَارَ احْتِمَالُ الصِّدْقِ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الْمُدَّعِي فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ أَيْضًا لِأَنَّ النِّكَاحَ إذَا وُجِدَ قَامَ بِالطَّرَفَيْنِ فَتَعَدَّتْ الشُّبْهَةُ إلَى جَانِبِ الْآخَرِ ثُمَّ لَمَّا سَقَطَ الْحَدُّ وَجَبَ الْعُقْرُ بِأَنَّهُ لِخَطَرِ الْمَحِلِّ لَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى النِّكَاحِ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ الْمُقِرُّ فَإِذَا كَانَتْ دَعْوَى النِّكَاحِ بَعْدَ الْحَدِّ فَلَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ

قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَتْ وَادَّعَتْ عَلَى الرَّجُلِ حَدَّ الْقَذْفِ يُحَدُّ الرَّجُلُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ وَوُجُوبَ الْمَهْرِ فِيمَا إذَا ادَّعَى غَيْرُ الْمُقِرِّ النِّكَاحَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافٌ أَمَّا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا وَنَفَى الْآخَرُ الزِّنَا وَلَمْ يَدَّعِ النِّكَاحَ فَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ كَذَبَ مَا زَنَى بِي وَلَا أَعْرِفُهُ لَمْ يُحَدَّ الرَّجُلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُحَدُّ وَإِنْ قَالَتْ زَنَى بِي مُسْتَكْرَهَةً حُدَّ الرَّجُلُ دُونَهَا وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّ هَذَا زَنَى بِهَا وَكَذَّبَهَا الرَّجُلُ لَمْ تُحَدَّ الْمَرْأَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُحَدُّ وَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ صَدَقَتْ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُحَدَّ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّارِحِ اهـ

(قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ إلَخْ) وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْإِكْرَاهِ حَيْثُ قَالَ وَالسُّلْطَانُ وَغَيْرُهُ سِيَّانِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ عَلَى إيقَاعِ مَا تَوَعَّدَ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا قَالَ) أَيْ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ دَعْوَى النِّكَاحِ مُحْتَمِلَةٌ لِلصِّدْقِ وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِ مُدَّعِي النِّكَاحِ مِنْهُمَا يَكُونُ النِّكَاحُ ثَابِتًا فَلَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي صُورَتَيْ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ وَدَعْوَاهُ الزِّنَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي صُورَةِ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا لِدَعْوَاهَا الزِّنَا لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الشَّرْعُ بِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهَا مَعَ ثُبُوتِ الْوَطْءِ بِاعْتِرَافِهِمَا بِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِهَتِهِ كَانَتْ مُكَذَّبَةً شَرْعًا وَالْوَطْءُ لَا يَخْلُو عَنْ عَقْدٍ أَوْ عُقْرٍ فَلَزِمَ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ رَدَّتْهُ إلَّا أَنْ تُبَرِّئَهُ مِنْهُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي إنْكَارِهِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِإِنْكَارِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِغَائِبَةٍ إلَخْ) وَحَدِيثُ سَهْلٍ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَوْ تَأْوِيلُهُ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ وَطَالَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ فَحَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَذْفِهِ إيَّاهَا بِالزِّنَا لَا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا. اهـ. مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا سَقَطَ الْحَدُّ إلَخْ) كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الشُّبْهَةَ لَا فِي مَسْأَلَةِ إنْكَارِ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ يَجِبُ الْمَهْرُ) أَيْ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ بِدَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَبَطَلَ زَعْمُهَا لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي الْمُفَوِّضَةِ. اهـ. كِفَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>