لِلْعِيشَةِ وَالدَّافِقِ لِلْمَدْفُوقِ أَوْ لِكَوْنِهَا مُتَسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَيَتَعَلَّقُ الْحَدُّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ وَمُؤَثَّمٌ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا مُوجِبًا لِلْحَدِّ إذْ هُوَ لَيْسَ بِزِنًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى فِعْلُهَا زِنًا إذَا مَكَّنَتْ مِنْ الزِّنَا تَبَعًا وَفِعْلُهُمَا لَيْسَ بِزِنًا فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا أَيْضًا زِنًا وَهَذَا لِأَنَّهَا مَكَّنَتْ نَفْسَهَا مِنْ فَاعِلٍ لَا يَأْثَمُ وَلَا يُحْرَجُ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهَا الْحَدَّ كَتَمْكِينِهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ النَّائِمِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لِأَنَّ فِعْلَ الرَّجُلِ هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ زِنًا حَقِيقَةً وَعَدَمُهُ فِي التَّبَعِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَمِ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهَا زِنًا حَقِيقَةً لِإِلْحَاقِ الْعَارِ بِهَا بِنِسْبَتِهَا إلَى التَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا وَهُوَ وَصْفٌ قَبِيحٌ فِي حَقِّهَا فَلِهَذَا يَجِبُ الْحَدُّ بِهِ عَلَيْهَا لَا لِأَنَّهَا زَنَتْ حَقِيقَةً وَعِبَارَاتُ أَصْحَابِنَا أَنَّ فِعْلَهَا مَعَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَيْسَ بِزِنًا يُشِيرُ إلَى أَنَّ إحْصَانَهَا لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِهِ حَتَّى يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ ثُمَّ وَطْءُ الصَّبِيِّ يُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً غَيْرَ مُطَاوِعَةٍ أَوْ أَمَةً لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَدِّ أَوْ الْمَهْرِ وَقَدْ انْتَفَى الْحَدُّ فَتَعَيَّنَ الْمَهْرُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يُؤَاخَذُ بِفِعْلِهِ وَرِضَا الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا أَمْرُهُمَا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ كَبِيرَةً مُطَاوِعَةً لَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَرَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهَا وَأَمْرُهَا صَحِيحٌ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَمَنْ أَمَرَ صَبِيًّا بِشَيْءٍ وَلَحِقَهُ بِذَلِكَ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ الْوَلِيُّ عَلَى الْآمِرِ فَلَا يُفِيدُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِالزِّنَا بِمُسْتَأْجَرَةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ اسْتَأْجَرَهَا وَمَعْنَاهُ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْخِدْمَةِ فَزَنَى بِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَتُهُ فَكَانَ زِنًا مَحْضًا فَيُحَدُّ وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ لِاسْتِبَاحَةِ الْأَبْضَاعِ شَرْعًا فَكَانَ لَغْوًا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ أَوْ لِلْخَبْزِ ثُمَّ زَنَى بِهَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ لَا الْأَعْيَانُ وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْوَطْءِ النَّسَبُ وَالْعِدَّةُ وَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ الِانْعِقَادَ لَثَبَتَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً طَلَبَتْ مِنْ رَجُلٍ مَالًا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَدَرَأَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدَّ عَنْهُمَا وَقَالَ هَذَا مَهْرُهَا وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَهْرَ أُجْرَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: ٢٤] فَصَارَ شُبْهَةً لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ لَا الْحَقِيقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْهَرْتُك كَذَا لِأَزْنِيَ بِك لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ فَكَذَا إذَا قَالَ اسْتَأْجَرْتُك أَوْ خُذِي هَذَا لِأَطَأَك أَوْ مَكِّنِينِي مِنْ نَفْسِك بِكَذَا وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مَنْفَعَةٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ شَرْعًا فَاعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحِلًّا لِلْإِجَارَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَمَّ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَالْعَقْدُ الْمُضَافُ إلَى مَحَلٍّ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ لَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِإِكْرَاهٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالزِّنَا بِإِكْرَاهٍ وَهَذَا إذَا أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا يَقُولُ يَجِبُ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَالطَّوَاعِيَةِ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ حَيْثُ لَا تُحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا دَلِيلُ الِاخْتِيَارِ وَلِأَنَّهَا مُرَخَّصٌ لَهَا هَذَا الْفِعْلُ إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا لِكَوْنِ نَسَبِ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا وَلِهَذَا يُوجِبُ الْقَاصِرُ مِنْ الْإِكْرَاهِ فِي حَقِّهَا شُبْهَةً وَلَا عُقُوبَةَ فِي الْمُرَخَّصِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَخَّصٍ لَهُ فَيُمْكِنُ تَرْتِيبُ الْعُقُوبَةِ عَلَى فِعْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلزَّجْرِ وَهُوَ مُنْزَجِرٌ وَإِنَّمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ لِيَدْفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُحَدُّ كَالْمَرْأَةِ وَانْتِشَارُ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا كَمَا يَكُونُ طَوْعًا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ قَدْ تَنْتَشِرُ آلَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ كَذَا قَالَ الْحَاكِمُ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ وُجِدَ تَمْكِينُ الْمَرْأَةِ مِنْ الزِّنَا لِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالْمُحَرَّمَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ التَّمْكِينُ مِنْ الزِّنَا أَصْلًا لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَا يُوصَفُ بِالزِّنَا لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ لَكِنَّ الْحَدَّ لَمْ يَلْزَمْ الْكَافِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حُقُوقَ الشَّرْعِ وَأَمَّا تَمْكِينُهَا نَفْسَهَا مِنْ النَّائِمِ فَمَمْنُوعٌ إذْ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا
بِهَذَا أَجَابَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ الْحَدَّ مَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِشُبْهَةٍ سَقَطَ عَنْ الْآخَرِ لِلشَّرِكَةِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ وَمَتَى سَقَطَ عَنْ أَحَدِ الزَّانِيَيْنِ لِقُصُورِ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهَا سَقَطَ عَنْهَا وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الرَّجُلِ كَمَا إذَا كَانَتْ صَبِيَّةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ نَائِمَةً لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ الْقُصُورُ مِنْ جِهَتِهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا كَمَا لَوْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُمَكِّنَةَ مِنْ النَّائِمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لِأَنَّ الْقُصُورَ مِنْ جِهَةِ الرَّجُلِ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا وُجِدَ مِنْهَا فِعْلٌ خِلَافُ الرِّوَايَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِأَمْرِهَا) أَيْ لِأَنَّهَا لَمَّا طَاوَعَتْهُ صَارَتْ آمِرَةً لَهُ بِالزِّنَا مَعَهَا. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَأَمْرُهَا صَحِيحٌ لِوِلَايَتِهَا عَلَى نَفْسِهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا إيرَادُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّمَا انْتَفَى الْحَدُّ عَنْ الرَّجُلِ انْتَفَى عَنْ الْمَرْأَةِ وَهِيَ مَنْقُوضَةٌ بِزِنَا الْمُكْرَهِ بِالْمُطَاعَةِ وَالْمُسْتَأْمِنِ بِالذِّمِّيَّةِ وَالْمُسْلِمَةِ فَوُرُودُهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ هَذِهِ قَاعِدَةً وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِيرَادِ ثُمَّ تَكَلَّفَ الدَّفْعَ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) أَيْ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا) أَيْ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا) أَيْ لِقُوَّةِ الْفُحُولِيَّةِ وَقَدْ يَكُونُ لِرِيحٍ تَسْفُلُ إلَى الْحُجْرَةِ اهـ فَتْحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute