للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً قُلْنَا هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ اتِّصَالِ الدَّعْوَى بِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُ لِوُجُودِ الظَّنِّ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِشَيْءٍ قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) أَيْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ شَيْءٍ كَانَ قَدْ سَرَقَهُ مِنْ قَبْلُ وَقُطِعَ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى وَإِنْ تُغَيِّرْ بِأَنْ كَانَ غَزْلًا فَسَرَقَهُ فَقُطِعَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَنَسَجَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ سَرَقَهُ قُطِعَ فِيهِ ثَانِيًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مَعْصُومًا كَامِلَ النِّصَابِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيُقْطَعُ كَالْأُولَى بَلْ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ الزَّاجِرِ وَلَا إشْكَالَ فِي عِصْمَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ كَانَتْ السَّرِقَةُ وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ يَسْتَلْزِمُ سُقُوطَ عِصْمَةِ الْمَحَلِّ حَقًّا لِلْعَبْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَبِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ إنْ بَقِيَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ بَقِيَتْ فِيهِ شُبْهَةُ السُّقُوطِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمَالِكِ وَالْمِلْكِ وَالْعَيْنِ وَبَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِسُقُوطِ عِصْمَةِ ذَلِكَ الْمَالِ وَهُوَ الْقَطْعُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ وُجُودُهَا نَادِرٌ فَتُعَرَّى الْإِقَامَةُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَصَارَ نَظِيرُ قَذْفِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ كَعَيْنٍ أُخْرَى حَتَّى تَبَدَّلَ اسْمُهَا وَيَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ بِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا مِنْ السَّارِقِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ثُمَّ سَرَقَهَا الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ يُوجِبُ تَبَدُّلَ الْعَيْنِ حُكْمًا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا تَبَدَّلَتْ حَقِيقَةً أَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ»

فَإِنْ قِيلَ حَدُّ الزِّنَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْقَذْفِ كَذَلِكَ قُلْنَا حَدُّ الزِّنَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَالْمُسْتَوْفَى فِي الزِّنَا الثَّانِي غَيْرُ الْمُسْتَوْفَى فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَصَارَ كَشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الْمَشْرُوبَ فِي الثَّانِي غَيْرُ الْمَشْرُوبِ فِي الْأَوَّلِ أَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ فَبِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ وَهِيَ لَا تَخْتَلِفُ حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ بِأَنْ تَغَيَّرَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ ثَانِيًا عَلَى مَا بَيَّنَّا لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا تَسْقُطُ بِهِ عِصْمَةُ الْمَحَلِّ وَبِحَدِّ السَّرِقَةِ تَسْقُطُ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ عَنْ تِلْكَ الْهَيْئَةِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخُصُومَةِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُصُومَةُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ السَّاجِ وَالْقَنَا وَالْآبِنُوسِ وَالصَّنْدَلِ وَالْفُصُوصِ الْخُضْرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَهِيَ مُحْرَزَةٌ وَلَا تُوجَدُ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنْ لَا قَطْعَ فِي الْعَاجِ مَا لَمْ يُعْمَلْ فَإِذَا عَمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُطِعَ فِيهِ وَلَا قَطْعَ فِي الزُّجَاجِ لِأَنَّ الْمَكْسُورَةَ مِنْهُ تَافِهٌ وَالْمَصْنُوعَ مِنْهُ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَقِيلَ فِي الْمَصْنُوعِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ نَفِيسٌ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ إلَّا بِالتَّقْصِيرِ فِي الِاحْتِرَازِ غَالِبًا وَيُقْطَعُ فِي الْعُودِ وَالْمِسْكِ وَالْأَدْهَانِ وَالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفُصُوصِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَوَانِي وَالْأَبْوَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ) لِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِيهَا غَلَبَتْ عَلَى الْأَصْلِ وَالْتَحَقَتْ بِالصَّنْعَةِ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ حَتَّى تَضَاعَفَتْ قِيمَتُهَا وَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ تَافِهَةً وَلِهَذَا تُحْرَزُ بِخِلَافِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحَشِيشِ وَالْقَصَبِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ فِيهِ حَتَّى لَا تَتَضَاعَفَ قِيمَتُهُ وَلَا يُحْرَزَ حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ فِيهِ الصَّنْعَةُ كَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ والجرجانية وَالْعَبْدَانِيَّةِ وَالْأَوَانِي الَّتِي تُتَّخَذُ لِلَّبَنِ وَالْمَاءِ مِنْ الْحَشِيشِ فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْأَخْذَ بِحَقِّهِ أَوْ الرَّهْنَ. اهـ.

(قَوْلُهُ الْمَقْذُوفَ الْأَوَّلَ) وَفِي الْمِرْعَزِيَّةِ هَذَا إذَا قَذَفَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزِّنَا أَمَّا لَوْ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الزِّنَا يُحَدُّ ثَانِيًا وَقَدْ مَرَّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ. اهـ. دِرَايَةٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا) أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ قُطْنًا فَصَارَ غَزْلًا أَوْ كَانَ غَزْلًا فَصَارَ ثَوْبًا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْعَيْنَ بِتَبَدُّلِهَا عَنْ حَالِهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ عَيْنٍ أُخْرَى فَلَوْ سَرَقَ عَيْنًا وَقُطِعَ فِيهَا ثُمَّ سَرَقَ عَيْنًا أُخْرَى يُقْطَعُ ثَانِيًا فَكَذَا هُنَا وَلِهَذَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ الْمَغْصُوبِ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ هَكَذَا قَالَ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَرَقَهَا الْأَوَّلُ) أَيْ السَّارِقُ الْأَوَّلُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ) وَهُوَ السَّارِقُ اهـ

(قَوْلُهُ حَدَّ الْقَذْفِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ حَدُّ السَّرِقَةِ وَقَوْلُهُ أَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ إلَخْ يُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَاهُ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فَإِنْ قِيلَ حَدُّ السَّرِقَةِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَحَدُّ الزِّنَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ يُحَدُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَدُّ السَّرِقَةِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إظْهَارُ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَدَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ثَانِيًا قُلْنَا فِي حَدِّ الزِّنَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ لَا تَسْقُطُ فِي حَقِّهِ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ فَإِنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ مِنْ السَّارِقِ وَلِأَنَّ هَذَا حَقٌّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ وَلَا يَتَكَرَّرَانِ بِخُصُومَةٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْخُصُومَةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْأَبْوَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْخَشَبِ) يَعْنِي وَلَا يُقْطَعُ فِي الْخَشَبِ إلَّا فِي خَمْسَةٍ السَّاجِ وَالسِّيجِ وَالْعُودِ وَالْخَلَنْجِ وَالصَّنْدَلِ وَالْآبِنُوسِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الصَّنَوْبَرِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>