خِيَارُهَا وَإِنْ سَارَتْ لَا) هَذَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ مُطْلَقًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا فَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ. وَقَوْلُهُ أَوْ جَلَسَتْ عَنْهُ أَيْ جَلَسَتْ عَنْ الْقِيَامِ. وَقَوْلُهُ أَوْ عَكَسَتْ أَيْ قَعَدَتْ عَنْ الِاتِّكَاءِ وَهُوَ عَكْسُهُ وَإِنَّمَا تَقَيَّدَ الْخِيَارُ بِالْمَجْلِسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ التَّطْلِيقِ مِنْهَا لِتَصَرُّفِهَا بِرَأْيِهَا وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْمَجْلِسِ كَالْإِيجَابِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ مَجْلِسِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ هُنَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا، وَلِهَذَا لَزِمَ مِنْ جَانِبِهِ وَالْبَيْعُ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ، وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا قَبْلَ الْقَبُولِ
فَإِذَا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُهَا فَالْمَجْلِسُ يَتَبَدَّلُ تَارَةً حَقِيقَةً بِالتَّحَوُّلِ إلَى مَكَان آخَرَ وَتَارَةً حُكْمًا بِالْأَخْذِ فِي عَمَلٍ آخَرَ وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ مَا يَعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ قَطْعٌ لِمَا كَانَتْ فِيهِ لَا مُطْلَقُ الْعَمَلِ حَتَّى لَوْ شَرِبَتْ مَاءً لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَشْرَبُ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ رُطُوبَةَ الْفَمِ تَذْهَبُ بِالْمُشَاجَرَةِ فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ مَا لَمْ تَشْرَبْ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَتْ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ أَوْ لَيْسَتْ ثِيَابُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ سَبَّحَتْ أَوْ قَرَأَتْ آيَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ قَلِيلٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً فَقَعَدَتْ؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْإِقْبَالِ إذْ الْقُعُودُ أَجْمَعُ لِلرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ أَوْ كَانَتْ مُتَّكِئَةً فَاسْتَوَتْ قَاعِدَةً؛ لِأَنَّهُ دَلَالَةُ الْجِدِّ فِي التَّأَمُّلِ كَمَا إذَا كَانَتْ مُحْتَبِيَةً فَتَرَبَّعَتْ
وَفِي رِوَايَةٍ يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِالِاتِّكَاءِ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ بِمَا حَزَّ بِهَا وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ أَبَاهَا لِلْمَشُورَةِ أَوْ شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ لِتَحَرِّي الصَّوَابِ، وَلِهَذَا «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِمُشَاوَرَةِ وَالِدَيْهَا قَبْلَ أَنْ تُجِيبَهُ» وَالْإِشْهَادُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْجُحُودِ فَصَارَ دَلِيلَ الْإِقْبَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَتْ بِطَعَامٍ فَأَكَلَتْ أَوْ قَامَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ جَامَعَهَا زَوْجُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِاشْتِغَالِهَا بِعَمَلٍ آخَرَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاضْطَجَعَتْ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ التَّهَاوُنِ فَيَكُونُ إعْرَاضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إعْرَاضًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَضْطَجِعُ لِلتَّأَمُّلِ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الْإِعْرَاضِ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَجِدْ أَحَدًا يَدْعُو لَهَا شُهُودًا فَقَامَتْ لِتَدْعُوَ وَلَمْ تَنْتَقِلْ
قِيلَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَقِيلَ يَبْطُلُ لِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ وَلَا تُعْذَرُ فِيهِ كَمَا لَا تُعْذَرُ فِيمَا إذَا أُقِيمَتْ كَرْهًا وَقِيلَ إذَا لَمْ تَنْتَقِلْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَإِذَا انْتَقَلَتْ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ كَانَتْ قَاعِدَةً لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا، وَلَوْ كَانَتْ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ الْوَتْرَ فَأَتَمَّتْهَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ فِي النَّفْلِ فَأَتَمَّتْهَا رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ قَامَتْ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مُبْتَدَأَةٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ مَحْمَلٍ فَوَقَفَتْ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا وَإِنْ سَارَتْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ تَسِيرُ بِاخْتِيَارِ رَاكِبِهَا وَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْجَوَابُ بِأَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ حُكْمًا، وَهَذَا لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِيَصِيرَ الْجَوَابُ مُتَّصِلًا بِالْخِطَابِ وَقَدْ وُجِدَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الْمَحْمَلِ أَوْ لَا يَكُونَ
وَلَوْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَنَزَلَتْ أَوْ تَحَوَّلَتْ إلَى دَابَّةٍ أُخْرَى أَوْ كَانَتْ نَازِلَةً فَرَكِبَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَقَّتًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَقَدْ جَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ بَلَغَهَا الْأَمْرُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَقَيَّدَ الْخِيَارُ بِالْمَجْلِسِ) قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ أَبَدًا وَلَكِنَّا تَرَكْنَاهُ وَأَخَذْنَا بِالْأَثَرِ وَجْهُ الْقِيَاسِ إطْلَاقُ الْأَمْرِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِقَوْلِهِمْ لِلْمُخَيَّرَةِ الْمَجْلِسُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ) أَيْ قَوْلُهُ أَمْرُك بِيَدِك.
وَقَوْلُهُ اخْتَارِي نَفْسَك تَمْلِيكٌ لَا إبَانَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَعْمَلُ لَا لِغَيْرِهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ الِاعْتِبَارُ لِمَجْلِسِهَا لَا لِمَجْلِسِهِ حَتَّى إذَا قَامَ الرَّجُلُ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ إلَيْهَا الْأَمْرَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِقِيَامِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي حَقِّهِ لَازِمٌ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَفْسَخَ الْخِيَارَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَجْلِسُهُمَا جَمِيعًا حَتَّى أَيُّهُمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ أَصْلًا، وَلِهَذَا إذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَلَامِهِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ فَلَهُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ) أَيْ تَسْمَعُ لَفْظَهُ بِالتَّخْيِيرِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا) أَيْ مَجْلِسُ سَمَاعِهَا اهـ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ) أَمَّا إذَا ادَّعَتْ بِطَعَامٍ وَأَكَلَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا قَلَّ الْأَكْلُ أَوْ كَثُرَ. اهـ. عِمَادِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ التَّهَاوُنِ بِمَا حَزَبَهَا) يُقَالُ حَزَبَهُ أَمْرٌ أَيْ أَصَابَهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ. اهـ. مُغْرِبٌ وَيُقَالُ أَيْضًا حَزَنَهُ أَمْرٌ بِالنُّونِ. اهـ. نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَأَكَلَتْ أَوْ قَامَتْ) أَيْ مِنْ مَجْلِسِهَا وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ اهـ ابْنُ فِرِشْتَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي بِلِسَانِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي لَيْسَ رَدًّا فَتَمْلِكُ بَعْدَهُ الطَّلَاقَ قِيلَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لِمَ إلَخْ كَلَامٌ زَائِدٌ فَيَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُبَدِّلَ لِلْمَجْلِسِ مَا يَكُونُ قَطْعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِفَاضَةً فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ) أَيْ اخْتَارَتْ مُتَّصِلًا بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِهَا اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute