للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالْإِبَانَةُ تُخَالِفُهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَكَانَ إعْرَاضًا مِنْهَا حَتَّى يَبْطُلَ خِيَارُهَا بِهِ كَمَا يَبْطُلُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت نَفْسِي لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ بَعْدَ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك حَتَّى لَا يَصِحَّ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ طَلِّقِي ضَرَّتَك؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْأَمْرُ لَا يَقْتَضِي الِائْتِمَارَ عَلَى الْفَوْرِ كَأَوَامِرِ الشَّرْعِ وَكَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَيْ لَا يَعُودَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْصِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ فِي حَاجَتِهِ لِيَكُونَ التَّصَرُّفُ لَهُ لَا عَلَيْهِ وَرُبَّمَا تَزُولُ الْحَاجَةُ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ أَوْ يَلْحَقُهُ مِنَّةٌ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ ضَرَرٌ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ لِمَ كَانَ تَمْلِيكًا وَيَمِينًا إذَا أَمَرَهَا بِتَطْلِيقِ نَفْسِهَا وَتَوْكِيلًا إذَا أَمَرَهَا بِتَطْلِيقِ غَيْرِهَا أَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِذَلِكَ حَتَّى صَحَّ الرُّجُوعُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ قُلْنَا الْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ لِغَيْرِهِ فَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ نَفْسِهَا تَكُونُ مَالِكَةً لِكَوْنِهَا تَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهَا وَفِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا فَكَانَ يَمِينًا وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَلَا خِيَارَ فِي التَّمْلِيكِ بَعْدَ الْقِيَامِ فَعَمِلْنَا بِهِمَا وَإِذَا فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ غَيْرِهَا تَكُونُ وَكِيلَةً لِكَوْنِهَا تَعْمَلُ لِغَيْرِهَا وَالتَّوْكِيلُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْإِعَانَةُ وَقَدْ لَا تَحْصُلُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ كَيْ لَا يَلْحَقَهُ الضَّرَرُ فَإِنْ قِيلَ يَنْتَقِضُ هَذَا بِمَا إذَا أَمَرَ الدَّائِنُ الْمَدْيُونَ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِيهِ حَتَّى لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ لِلدَّائِنِ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ وَبِمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثُمَّ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ ثُمَّ طَلَّقَتْ هِيَ نَفْسَهَا حَيْثُ يَحْنَثُ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هِيَ وَكِيلَةً عَنْهُ لَمَا حَنِثَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ قُلْنَا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ فَلَا يُبَالِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الرُّجُوعِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ يَجُوزُ فِي التَّمْلِيكِ الرُّجُوعُ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ هُنَا لِمَعْنَى التَّعْلِيقِ لَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا إلَّا إذَا زَادَ مَتَى شِئْتِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك يُقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَإِذَا قَامَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ مَتَى شِئْت أَيْ زَادَهَا عَلَى قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَيَكُونُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا بَعْدَ الْقِيَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهَا الطَّلَاقَ إلَّا فِي وَقْتٍ شَاءَتْ فِيهِ الطَّلَاقَ فَلَا تَمْلِكُ بِدُونِ الْمَشِيئَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ مَتَى مَا شِئْت أَوْ إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت)؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ تَمْلِيكٌ وَلَا تَعْلِيقٌ، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فَكَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك حَيْثُ يَلْزَمُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَتَعْلِيقٌ لِكَوْنِهَا عَامِلَةً لِنَفْسِهَا فِي رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ كَمَنْ يَرْفَعُ الْقَيْدَ الْحَقِيقِيَّ عَنْ رِجْلِهِ فَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَالتَّعْلِيقُ يَلْزَمُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ تَوْكِيلًا مَحْضًا فَلَا يَقْتَصِرُ وَلَا يَلْزَمُ. وَأَمَّا إذَا زَادَ كَلِمَةَ إنْ شِئْت بِأَنْ قَالَ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَلْزَمُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَقَالَ زُفَرُ هُوَ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَالْأَوَّلِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَبِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَلَا مَالِكًا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَةٍ ذَكَرَهَا الْمُوَكِّلُ أَمْ لَا فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْت وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ يَصْلُحُ وَكِيلًا وَمَالِكًا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي الْأُولَى ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا بِالْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ خِلَافًا مُعْتَبَرًا. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَالْإِبَانَةُ تُخَالِفُهُ) أَيْ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِاشْتِغَالِهَا) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَأَجَابَتْهُ بِاخْتَرْتُ نَفْسِي خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَصِحُّ رُجُوعُهُ حَتَّى إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ أَنْ نَهَاهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ إذْ هُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا) أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ طَلَّقْت نَفْسَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَكَانَ يَمِينًا وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ وَهِيَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ لَا تَحْصُلُ إذَا صَحَّ الرُّجُوعُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ ثَمَّةَ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَبْرَأْت ذِمَّتَك. اهـ. .

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا)، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ مُؤَبَّدٌ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا أَيْضًا كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي نَفْسَك وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُخَيَّرَةِ الْمَجْلِسَ. (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ الْعُمُومِ وَيَرِدُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إذَا أَنَّهَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَلَا تَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا وَفِيهِ جَوَابُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا وَأَنْ تَعْمَلَ ظَرْفًا وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَمْلِكُ مَا مَلَكَتْ وَإِنَّمَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ وَقْتَ الْمَشِيئَةِ فَلَا تَمْلِكُهُ دُونَهَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ هَذَا إضَافَةٌ لِلتَّمْلِيكِ لَا تَنْجِيزٌ وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا لَا يَقَعُ إذَا ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ وَيَقَعُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ، وَقَالَ زُفَرُ هُوَ وَالْأَوَّلُ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْ امْرَأَتِي بِلَا ذِكْرِ مَشِيئَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْت) أَيْ لَا يَقْتَصِرُ وَلَهُ الرُّجُوعُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَشِيئَةِ الَّتِي بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَبْرِ بَلْ فِي أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>